د. علي العنزي
شهد المؤتمر الدولي الرابع للتعليم الإلكتروني الذي عُقد قبل أسبوعين، بعنوان: «تعلم مبتكر: لمستقبل واعد»، ونظمته وزارة التعليم، العديد من الرؤى من خلال البحوث والأوراق التي قدمت في المؤتمر، وبمشاركة مهتمين وباحثين في مجال التعليم والتعلم الإلكتروني، لكن ما شد انتباه الجميع، هي كلمة وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل خلال افتتاح المؤتمر والمعرض، وما ذكره خلال كلمته ومن ثم تصريحاته الإعلامية، أثناء الافتتاح وبعده، رؤيته حول التعليم في المستقبل، ولاسيما أنها المرة الأولى التي يبين مشروعه تجاه التعليم، وكذلك ورقة العمل التي قدمها الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الموسى حول «مستقبل التعليم العالي في العصر الرقمي: توجهات ورؤى استشرافية»، التي كانت جرس إنذار للقائمين على التعليم، بأن الوقت يسير بسرعة، فعلى الجميع تدارك الوقت، والتحول إلى التعلم الإلكتروني في التعليم؛ لمواكبة التطورات العالمية في هذا المجال. إن رؤية وزير التعليم تجاه التعليم بشقيه، العالي والعام، ظهرت ملامحها خلال هذا المؤتمر، الذي إن لم أكن مخطئاً فهو المناسبة العلمية الأولى التي يطل فيها على الجمهور والإعلام بشكل رسمي، فمن خلال افتتاحه لهذا المؤتمر نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أفصح عن التوجه والرؤية والاستراتيجية كذلك، التي يحمل تجاه التعليم، سبق ذلك الافتتاح زيارة قام بها للجامعة السعودية الإلكترونية، بشكل مفاجئ، ومن دون ترتيبات مسبقة، وغير معلنة، كل هذه الدلالات توضح، أن الوزير قادم ليحدث تغييراً تتطلبه المرحلة، وهي التعامل والاستفادة من التقنية، ولا ننسى هنا أنه وزير تعليم، أي العالي والعام، وأعتقد أنه يريد أن يربط أو يجسِّر الفجوة القائمة بينهما، من خلال الاستفادة من التقنية التي يجب أن تبدأ من المدارس، من خلال ما تم عمله في التعليم العالي، بإنشاء الجامعة السعودية الإلكترونية، لذلك يبدو أنه سيبدأ بتحويل المدارس إلى مدارس إلكترونية، وهو ما تبين أثناء افتتاحه المؤتمر الدولي، والتصريحات الصحافية التي أدلى بها وما تضمنته كلمته كذلك، إذ ذكر «أن المملكة تعد من أفضل الدول في العالم في تمويل التعليم، وتبني التقنيات والتجهيزات والتطبيقات والصرف عليها، وأسرع بلدان المنطقة تنامياً في مجال التقنية فقد صرفت نحو 93 بليون ريال، بنسبة زيادة سنوية تصل إلى 10 في المئة، منبهاً إلى أهمية هذه التقنية توظيفها واستثمارها تعليمياً في بيئات تعلم افتراضية تفاعلية ثرية، يعاد فيها رسم أدوار المتعلم والمعلم؛ ليكونا شركاء في إنتاج المعرفة، فضلاً عن تهيئة الجيل؛ ليعيد اكتشاف نفسه بقيم واتجاهات تغرس الدافعية للتعلم وإضافة قيمة لما يتعلمه حتى يكون جيلاً يتنافس على صناعة مستقبل وطنه وصناعة حضارته». لقد كان وزير التعليم حريصاً على ألا يكون الحصول على التقنية هو الهدف في التعليم، بل كيفية جعل التعليم يناسب كل متعلم ويطبقه ويستفيد منه في الجوانب كافة، وألا يقتصر على ما يحصل عليه من المقررات الدراسية. وفي تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط»، أفصح وزير التعليم «عن نية الوزارة الجادة بإزاحة الثقل عن الأكتاف الصغيرة النحيلة المثقلة بالكتب، بعد التطبيق الفعلي لرقمنة المناهج وتحويلها إلى صيغة إلكترونية، بدلاً من الورقية»، كما تطرق كذلك إلى نية وزارة التعليم رسم سياسات جديدة للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد في السعودية، إذ أوضح ذلك بقوله: «إن اتساع الرقعة الجغرافية في السعودية وضعت عوائق أمام السكان المحليين والمرأة على وجه التحديد، وهو ما جعل التعليم عن بعد موضوعاً أساسياً وسنعمل عليه، مبيناً أنه ما يجري اليوم من خلال دمج التعليم سيتم توحيد الجهود في الإسراع؛ لتنفيذ هذه المرحلة وتحسين جودتها»، كما أنه لم ينسَ الجامعات، لذلك بين اهتمام الوزارة وحرصها على استقلال الجامعات وفق ما ترسمه السياسات التعليمية في البلاد، وما تقتضي مصلحة التعليم العالي. وفي محاضرة للأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الموسى بعنوان: «مستقبل التعليم العالي في العصر الرقمي: توجهات ورؤى استشرافية»، تضمنت الورقة معلومات في غاية الأهمية عن مستقبل التعليم الإلكتروني منها: أن نمو التعليم الإلكتروني في منطقة الشرق الأوسط سيحقق مكاسب مالية لدول المنطقة خلال عام 2016 تقدر بنحو 560 مليون دولار، إذ سيوفر 50 في المئة من تكاليف المدربين في قاعات الدراسة، و60 في المئة من وقت إعداد المحاضرات، و90 في المئة من الطاقة البشريّة مقارنة بالتعليم التقليدي. وأضاف قائلاً: (إن التعليم الإلكتروني يعد ثاني طريقة للتدريب في العالم ذات قيمة بارزة، وحقق معدلات نمو في منطقة الشرق الأوسط بلغت نسبتها 8.2 في المئة، مبيناً أن من أبرز سمات التعليم العصري توظيف التعلم المدمج Blended Learning، وعدد من أساليب التعليم التفاعلية في منظومة العملية التعليمية، مشيراً إلى أنه في الولايات المتحدة ازداد طلب اختيار الطلاب الأميركيين للمقررات التي تقدم بطريقة التعليم عن بعد خلال العقد الماضي بمعدل 150 في المئة، وخلال هذا العام صرفت دول العالم 56 بليون دولار على التعلّم الإلكتروني، ومن المتوقع أن تصرف الحكومة الأميركية وحدها ضعف هذا المبلغ، بحسب إحصاءات أميركية. الجامعة السعودية الإلكترونية، وبعد ثلاثة أعوام من الإنشاء، ستخرج الدفعة الأولى من طلبة الماجستير هذا العام، لذلك من الواضح أن كلام الدكتور عبدالله الموسى وحماسته في المحاضرة، يستندان إلى حقائق وواقع، فالدراسة في الجامعة السعودية الإلكترونية هي باللغة الإنكليزية، وهناك شراكات مع عدد من الجامعات العالمية المرموقة في هذا المجال مثل فرانكلن وكولورادو، وهو متخصص في التعليم الإلكتروني، وله تجارب ناجحة في هذا المجال، فقد أسس كلية الحاسب في الجامعة، وعمل وكيلاً لوزارة التعليم لشؤون الابتعاث، وترك بصمة واضحة في وكالة الوزارة. نحن اليوم أمام شخصيتين تعليميتين، وزير التعليم الدكتور عزام بن محمد الدخيل، ومدير الجامعة السعودية الإلكترونية الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الموسى، الأول يملك الرؤية والاستراتيجية والإرادة إلى التحول في التعليم العام والعالي إلى ما تتطلبه المرحلة الحالية، ويترأس الجهاز الذي يرسم السياسات والاستراتيجيات للتعليم، والثاني يملك الإمكانات والحاضنة المعرفية لتنفيذ رؤى وسياسات واستراتيجيات الوزير، من خلال الجامعة السعودية الإلكترونية، التي لديها القدرة والإمكانات، ومن خلال دعم الوزير لها، لتنقل التعليم بشقيه العام والعالي، إلى مرحلة القرن الـ21، فيبدو أن الجامعة السعودية الإلكترونية ستكون ضمن استراتيجية الوزارة في رقمنة التعليم بشقيه. * رابط المقالة بصحيفة الحياة: http://alhayat.com/Opinion/Ali-Al-Anzi/8019274/التعليم-بين-الورقي-والإلكتروني