أ.محمد الشاعري
كثُر بالآونة الأخيرة الحديث عن رؤية 2030 ودور علم التخطيط الاستراتيجي في التنمية الاقتصادية بالمملكة ومدى علاقته بتحقيق طموحاتنا ومستقبل أبنائنا والأجيال القادمة، فكان من أصحاب الوعي والبصيرة نقداً بناء قد يضيف ويثري، وكان من أصحاب ضيق الأفق والتشاؤم نقداً هداماً قد ينشر السلبية ويثبط العزائم. وإذا ما نظرنا الى الماضي القريب لتاريخ التنمية بالمملكة لوجدنا أغلب المشاريع التنموية واجهت العديد من التحديات والحكم المسبق على نجاحها، خصوصاً وأن وعينا بالتخطيط الشامل لم يكن يوماً من ثقافتنا إلا في جوانبه المالية.
يُعتبر التخطيط الاستراتيجي والتنموي عاملاً جوهرياً في نجاحات اقتصادات دول العالم المزدهرة، والتي استطاعت أن تحقق قفزة تنموية لشعوبها ليس بعصى سحرية أو بقوة رجالٍ خارقين، بل كانت عبر رؤى واضحة المعالم وإرادة عميقة من كافة شرائح المجتمع مقرونة بلوعة من الصبر والعمل الدؤوب لتحقيق الأهداف المرسومة. فقد كانت يوماً مدينة برلين الألمانية تنام وتفيق على ركام إسمنتي وبشري وتركيبة سكانية كارثية بحيث تشكل النساء ضعفي عدد الرجال، حتى جاء فريقٌ من خبراء الاقتصاد والتخطيط والتنمية ليُحدِثوا تحولاً وطنياً كبيراً، وكان من ضمن الفريق الخبير الاقتصادي إيرهارت، الذي سئل عن سر نجاح الوصفة الألمانية فأجاب قائلاً "قد تكون الخطة التنموية عبارة عن مجموعة ورق ولكن سر النجاح الحقيقي هو إرادة الشعب الألماني وإيمانهم العميق بنجاح ما تضمنته مجموعة الورق .. وبالطبع العمل ثم العمل ثم العمل". وقسَمت ألمانيا آنذاك أهدافها ومهامها على أجيال لتكون القاعدة الأساسية "كل جيل ملزم بالقيام بواجباته، ولا يحق له أن يعهد آدائها الى الأجيال المقبلة"، مستخدمة بذلك استراتيجية الأهداف المرحلية ضمن إطار زمني محدد، والمتابعة الدورية للتنفيذ .. .
ما نود الإشارة اليه هو إن علم التخطيط والتنمية لم يكن يوماً عبثاً من الخيال، فقد تطور عبر مراحل علمية ليصل الى مستوى يكاد خبراؤه استشراف ما يمكن أن يكون عليه الوضع الاقتصادي للدول بالمستقبل، وذلك عبر مدخلات معينة من معلومات وإحصاءات دقيقة مستخدمين تطبيقات تقنية ذكية ترصد العلاقة بين المتغيرات والإمكانيات لتعطي تحليلات ونتائج تصف ملامح المستقبل الاقتصادي والتنموي للدولة.
لست هنا بصدد المشاركة في التلميع الإعلامي بقدر التوضيح لمفهوم التخطيط الاستراتيجي والتنموي ومدى أثره على مستقبل الأجيال القادمة، فإذا لم نتجرع بعضاً من لوعة الصبر والتضحية فماذا ستجني الأجيال القادمة من بعدنا؟ فالإحصاءات الاستهلاكية للمملكة خير شاهد علينا من حيث الصرف المرتفع على السياحة الخارجية، ومعدل استهلاك الفرد للمياه (الثالث عالمياً حسب تقدير منظمة الصحة العالمية – رغم ندرة المياه بالمملكة) والكهرباء والوقود والاتصالات ومعدل التلوث البيئي، وترف الكماليات الغير مبرر وغيرها من الممارسات الكثيرة التي بدورها حتماً ستلحق الضرر على الأجيال القادمة ما لم نستوعب آثارها البعيدة ونُحدث تحولاً وطنياً يصحح نمط حياتنا ومسارنا الاقتصادي.
نحمد الله أولاً وأخيراً، ونحمد الله على وجود رؤيا واضحة لدينا تشكلت من خلاصة جهود جبارة ودراسات وبحوث وتجارب سابقة، شارك فيها خبراء عالميين ونخب من مختلف شرائح المجتمع، لتحدث التغيير الذي يراودنا، وترشدنا كيفية النهوض بمقدراتنا وتجاوز الأزمات والوصول لموقعنا المفترض على منصة اقتصادات العالم.
فليكن همُنا الأول هو تحقيق اهداف مجموعة الورق .. وعلى الطريقة السعودية!