Home | Jisr News

معايير حماية العلامة التجارية في اتفاقية التربس (لماذا)

عبد الله حسن جابر زبيد

دعوني في بداية الأمر أشرح لكم تلك الكلمة التي وضعتها بين قوسين في أخر العنوان (لماذا). لماذا كتبت لماذا هذه في العنوان الرئيسي لمقالي هذا؟

نعم، في مقالي هذا سأتحدث عن تلك المعايير التي اتخذتها اتفاقية التربس كمقياس لحماية العلامة التجارية. لكنني هنا لن أورد لك تلك المعايير كما وردت في التربس، محاولاُ سرد ذلك بأسلوب مختلف نوعا ما، أو سرد وجهة نظر خاصة حول تلك المعايير. الأمر مختلف هنا، حيث أنني سأسلك طريقا برفقتكم نحو عمق تلك المعايير. أي باختصار لماذا القانونيون الذين صاغوا اتفاقية التربس قاموا بوضع هذه المعايير؟ ما الذي دفعهم إلى وضع مثل هذه المعايير في اتفاقية دولية مثل التربس؟ هذا هو السؤال الذي بإجابته سنكون قد بلغنا سويا، أنا وأنتم، الغاية من هذا المقال.

في اتفاقية التربس، هناك أربع معايير لحماية العلامة التجارية، وهي: نوعية المادة الجديرة بالحماية، ما يمحنه تسجيل العلامة التجارية من حقوق لصاحب العلامة، وبعض الاستثناءات حول استعمال العلامة التجارية من قبل الغير، وصلاحية مدة حماية العلامة، وأخيرا الترخيص والتنازل.

من المعيار الأول، وهو نوعية المادة الجديرة بالحماية، دعونا هنا نطرح سؤال مهم: لماذا اشترطت اتفاقية التربس على ألا تكون المواد المكونة للعلامة التجارية مجرد رائحة ما أو صوت معين؟ الجواب بسيط هنا، ودعونا نتكلم على مستوى واقعي قريب للأذهان. هل هناك مادة لصوت مثلا أو لرائحة يمكن لك أن تعتمد عليها في استجداء حقك؟ أنا كمنظم مثلا كيف لي أن أسن قانون عادل ومنطقي يمكن من خلاله أن أرشد الناس إلى تميز حقوقهم؟ الجواب هو محال، أليس كذلك. اذن، بهذا المفهوم المخالف والنقيض يمكنك إدراك ما أريد ايصاله لك، وهو أن اتفاقية التربس اشترطت على أن تكون المواد المكونة للعلامة التجارية مواد يمكنها تمييز العلامة التجارية حتى يتسنى للمنظم الوطني بأن يحفظ لك حق تلك العلامة التجارية. ولهذا وضعت اتفاقية التربس هذا المعيار ليتحدد به العلامة التجارية الجديرة بالحماية. لا يمكن لأي منظم أن يحمي علامة تجارية تكون المواد المكونة لها هي مواد تجد صعوبة هي في تميز نفسها مثل تلك المواد التي يتكون منها الصوت أو الرائحة كما بينا ذلك سلفا.

المعيار الثاني ليس إلا امتدادا للمعيار الأول. العلامة التجارية الآن هي مكونة من مواد بإمكانها ومن خلال خصائصها أن تمنح تلك العلامة التجارية ميزة محددة وخاصة بها. الخطوة الثانية الآن هي أنه بهذا التمييز يصبح لهذه العلامة التجارية حقوق ممنوحة لها من قبل المنظم. وبما أنه أصبح لهذه العلامة التجارية حقوق، فإن هذه الحقوق أصبحت جديرة بالحماية وهذا دليل على أن حماية هذه الحقوق ما هي إلا أن هناك علامة تجارية أصبحت مميزة على أرض الواقع يجدر منحها حقوقا.

المعيار الثالث هو استثناء ورد في اتفاقية التربس نصه أنه يمكن للغير استخدام العلامة التجارية التي هي مميزة الأن، الأمر الذي جعل المنظم يمنحها حقوق لا يتعدى عليها الغير. في هذا الاستثناء، يمكن للغير أن يستخدم العلامة التجارية ولكن بشروط وضوابط. ليس من المهم في مقالي هذا ذكر تلك الشروط والضوابط. يهمني لماذا ورد هذا الاستثناء في اتفاقية التربس واعتبر معيارا لحماية العلامة التجارية. أنت لديك علامة تجارية مميزة الآن وأصبح لها حقوقا ممنوحة من قبل المنظم. أليس من البديهي أن يقوم الغير باستخدام تلك العلامة؟ عندما يصبح لك علامة تجارية معروفة لها حقوق، فإن الغير بالتالي يتجه إليها لاستخدامها، ولكن ورد في الاتفاقية أن لهذا الاستعمال شروط وضوابط لا يهمنا هنا ذكرها. ما يهمني هو أنه متى ما كان لك علامة تجارية مميزة ممنوح لها حقوق من قبل المنظم وقام الغير باستخدامها بالشروط والضوابط التي نصت عليها الاتفاقية، فنحن بصدد علامة تجارية جديرة بالحماية.

المعيار الرابع هو صلاحية مدة حماية العلامة التجارية. لماذا نضع مدة محددة لحماية شيئا ما في القانون؟ أي شيء يصبح له زمن، أي بدأ وقته يتسلل للحياة، فلا بد أن يأتي يوم يعلن فيه هلاكه. اتفاقية التربس انتهجت هذه الفلسفة وراحت تصيغها على أوراقها من ناحية العلامات التجارية. علامة تجارية مميزة، كان أن منح لها المنظم حقوق نتيجة لذلك التميز، وبما أنها أصبحت قابلة للاستعمال من قبل الغير، ألا يعني هذا بأن هذه العلامة أصبح لها حياة. هذا الحياة إذا بدأت تتعب أو تهلك أو لم تعد كثيرة الاستعمال، فأنها بهذا تكون عرضة لنزع الحماية منها، لأنها تعرض نفسها والاقتصاد القومي للخطر. وبهذا اشترط أن تكون مدة حماية العلامة التجارية سبع سنوات قابلة لتجديد في حالة إن طلب صاحب العلامة ذلك.

أخر المعايير هو معيار الترخيص والتنازل. لا أحد يتنازل إلا عن حق. وبما أن العلامة التجارية هي حق لصاحبها فإنه بإمكانه أن يتنازل عنها للغير. قدرة صاحب الحق هذا في التنازل عن حق هذه العلامة التجارية، دليل على أن هذا الحق محمي من قبل النظام. ولأنه حق قابل لتنازل عنه فإنه قبل التنازل كان حق محمي. وبهذا كان التنازل معيارا لحماية العلامة التجارية.

في الختام، لا شيء يمكن للقانون أن يمحنه حماية، إلا إذا كان قبل نشأته وفي أثناء نشأته كان يسلك الطريق السليم الذي رسمه القانون من ولادته حتى ظهوره للوجود. العلامة التجارية حتى تصبح جديرة بالحماية فإنه لا بد لها وأن تُلبس نفسها كل تلك المعايير التي رسمها لها القانون. اتفاقية التربس قامت بهذا على أكمل وجه وأوردته في موادها بكل وضوح. تريد اتفاقية التربس بهذه المعايير أن تحدد على وجه الدقة أي العلامات التجارية جديرة بالحماية. العلامة التجارية التي لا تنطبق عليها المعايير المذكورة في مقالتي هذه هي علامة تجارية غير محمية من قبل القانون.

في مقالتي هذه وضحت الأسباب خلف ظهور هذه المعايير من وجهة نظر فلسفية لأنني أؤمن كامل الإيمان بأن البذرة هي من أظهرت الشجرة. كما أنني أؤمن أن أولئك الذين صاغوا اتفاقية التربس كان لهم بُعد فلسفي في إخراج هذه المعايير للوجود. لربما أنهم سألوا أنفسهم هذا السؤال: من أين نبدأ حتى نضع هذه المعايير التي ما أن انطبقت على علامة تجارية إلا وكانت هذا العلامة التجارية جديرة بالحماية؟ وقتها لم تكن هناك شجرة، فبدأوا بزرع البذرة. أود أن أذكر أيضا بأن هذه المعايير تعد أحد مساهمات اتفاقية التربس الدولية في حماية العلامة التجارية.

الأكثر مشاهدة

ألبوم الصور

ما رأيك في التصميم الجديد لموقع صحيفة جسر؟