د. عبد الوهاب بن عبدالله الخميس
الوقفة الثالثة: نصت المادة الرابعة على: "تتمتع كل جامعة بشخصية معنوية مستقلة ذات ذمة مالية تعطيها حق التملك، والتصرف والاستثمار، والتقاضي، ويكفل لها هذا النظام الاستقلال التام، علميا، وماليا، وإداريا"، كما نصت المادة الـ58 على: "للجامعة الحق في أن تكون شركة أو أكثر للاستثمار في ممتلكات الجامعة، أو غيرها،..." كما نصت المادة الـ59 على أن من ضمن إيرادات الجامعة "ريع أملاكها، الهبات، المنح، الوصايا، الأوقاف، وغيرها". الجامعات ستعاني لتحقيق إيرادات "حقيقية" وسيكون هناك تباين بين الجامعات لسببين رئيسين: الأول: تختلف الجامعات الحكومية حاليا في حجم ممتلكاتها واستثماراتها. فبعض الجامعات تم الإنفاق عليها لسنوات طويلة وبمبالغ كبيرة بينما البعض الآخر ما زال يعاني كون بعض مبانيها مستأجرة. مسودة النظام نصت على أن أحد أهم مصادر إيرادات الجامعات ريع أملاكها واستثماراتها وأوقافها، لذا ستكون هناك فجوة كبيرة في حجم إيرادات الجامعات بسبب الاختلاف الكبير في قيمة الممتلكات الممنوحة للجامعات. فمثلا بينما نجد جامعة الملك سعود وجامعة الأميرة نورة في مدينة الرياض وجامعة الملك عبدالعزيز في جدة لها ممتلكات كبيرة جدا وتم الصرف عليها بسخاء خلال الفترة الطويلة الماضية، نجد في الجانب الآخر الجامعة السعودية الإلكترونية في مدينة الرياض وجامعة جدة في مدينة جدة ليس لديهما ممتلكات يمكن أن تحققا من خلالها إيرادات مستقبلية. لذا أجد أن من الضروري أن يتم ربط الإيرادات المتوقعة من الجامعات بالمعطيات التي قدمت لها سابقا. هذا الربط مهم جدا من أجل تحقيق عدالة حقيقية على مستوى الإيرادات الممنوحة لـ28 جامعة حكومية. نقطة أخرى جديرة بالاهتمام أيضا، نجد بعض الجامعات توفر إسكانا لأعضاء هيئة التدريس، لكن جامعات أخرى لم تخصص لها أرض، فضلا عن أن توفر إسكانا لكادرها التعليمي، فضلا عن وجود اختلافات بين الجامعات في مدى توافر المستشفيات التي تخدم طلبتها للتدريب أو منسوبيها للعلاج. لذا يبقى السؤال قائما: كيف سيتعامل نظام الجامعات المستقبلي مع هذا التباين الكبير بين الجامعات سواء في قيمة ممتلكاتها أو المساحات المخصصة لها؟ أو مستوى الخدمات التي تقدمها؟ فهل ستتم إعادة توزيع الممتلكات بين الجامعات لكونها في الأساس ممتلكات حكومية خصوصا في الجامعات التي توجد في المدينة نفسها والمنطقة حيث نضمن توزيعا عادلا للممتلكات الحكومية بين الجامعات قبل أن يطبق النظام الجديد للجامعات؟ أم هل سيتم تقدير ممتلكات كل جامعة وستعوض الجامعات التي لم تتلق الدعم نفسه بدعم إضافي من أجل إيجاد توازن حقيقي وتحقيق العدالة بين الجامعات قبل أن يطبق النظام الجديد للجامعات؟ وكيف سيتم التعامل مع التباين بين الجامعات خصوصا في الاختلاف فيما بينها في توفير خدمات الإسكان لأعضاء هيئة التدريس فيها؟ وهل ستفصل ملكيات وإدارة الإسكان المخصص للجامعات عن الجامعات، حيث تكون تابعة لوزارة الإسكان ومن ثم تتولى وزارة الإسكان إدارتها وتوزيعها بين أعضاء هيئة التدريس بغض النظر عن اسم الجامعة التي تحت إشرافها؟ وكذلك كيف سيتم التعامل مع التباين بين الجامعات التي لديها مستشفيات أو مدن جامعية والجامعات التي ليس لديها مدن صحية؟ هل سيتم نقل ملكية المستشفيات الجامعية لنظام الشركات المقرر تطبيقه على مستشفيات وزارة الصحة، أم سيتم دعم استقلالية المدن الطبية في الجامعات؟ هذه الأسئلة وغيرها في حاجة إلى إجابة قبل المضي قدما في تطبيق نظام الجامعات الجديد. الثاني: اختلاف أهمية وطبيعة الموقع الجغرافي بين الجامعات. فبعض مواقع الجامعات في مناطق محدودة التنمية، بينما البعض الآخر في مواقع استراتيجية. فمثلا جامعة الحدود الشمالية أو الجوف أو بيشة أو غيرها قد يحد موقعها الجغرافي من إيجاد مصدر إيرادات "حقيقية" كما هو لدى الجامعات الواقعة في المدن الكبرى كالرياض وجدة والمنطقة الشرقية. قد يكون أحد الحلول للتعامل مع هذه الإشكالية تحويل الجامعات الطرفية إلى جامعات تخصصية (كما دعوت في المقال السابق) لأن الجامعة الواحدة سيكون لها فروع في أكثر من منطقة ما سيحقق لها عدالة الاستثمار ويحقق تنوع مصادر وممتلكات الجامعة الواحدة في أكثر من منطقة. من المعلوم أنه يتم حاليا تشييد مستشفيات تابعة للجامعات السعودية خصوصا في المناطق الطرفية مع وجود مستشفيات تابعة لوزارة الصحة. هذه الازدواجية في تقديم الخدمة لا تحقق تكاملا حقيقيا وتكلف الدولة مبالغ طائلة دون حاجة إلى ذلك. وقد سبق أن دعوت إلى أن تضم المستشفيات الجامعية والتابعة لوزارة الصحة تحت مظلة واحدة ما سيحقق استثمارا مثلا للموارد المالية والبشرية في مقال كتبته قبل أكثر من سنتين ونصف السنة بعنوان "كيفية رفع مستوى الخدمات الصحية في المستشفيات الطرفية". في اعتقادي أن من أهم مصادر قوة برنامج التحول الوطني 2020 الذي هو أحد برامج تحقيق "رؤية المملكة 2030" أنه يسعى لتحقيق تكامل بين الوزارات والهيئات الحكومية. هذا التكامل سيحقق حتما رفع مستوى الخدمات وتقليل التكاليف كما سيخفف بشكل كبير أعباء مالية من الميزانية الحكومية السنوية. مع الأسف أن مسودة مشروع الجامعات لم تحاول تخفيف حدة الازدواجية الحالية التي تعانيها الجامعات فيما بينها كونها نسخا مكررة لبعضها على مستوى البرامج العلمية، كما لم يحاول إعادة النظر للازدواجية بين وزارة الصحة والجامعات فيما يتعلق بكيفية تقديم الرعاية الصحية، أو تقليل الازدواجية في تقديم خدمات الإسكان بين وزارة الإسكان والجامعات. فمثلا في بريطانيا على الرغم من استقلالية جامعاتها لكن مستشفياتها لا تزال تابعة لـ NHS وهناك توجه لعديد من الدول لمنع ازدواجية تقديم الخدمات بين الوزارات والمؤسسات الحكومية وهو ما يسعى برنامج التحول الوطني 2020 أيضا إلى تحقيقه. باختصار، علينا البدء بالحديث عن إيجاد آليات واضحة تحدد في ضوئها ممتلكات كل جامعة، وتتحقق من خلالها العدالة بين الجامعات من حيث قيمة ممتلكاتها قبل أن نتوقع من كل جامعة أن توجد لها مصادر تمويل إضافية. ولعل المقترح الذي ذكرته في مقال الأسبوع الماضي بتحول الجامعات إلى جامعات تخصصية بدلا من بحثية سيسهم في حل هذه الإشكالية قبل وقوعها... يتبع.
نشر في صحيفة الاقتصادية : http://www.aleqt.com/2017/10/09/article_1264611.html