وقف رجل أعمال على جسر صغير يطل على بحيرة تقع في طرف من أطراف قرية المكسيك. في ذلك الحين، رأى قارب بسيط يعلوه صياد مكسيكي يدفع القارب بلطف ليجري في تلك البحيرة الهادئة، لا يكدر صفوها سوى صوت حركة الماء الناتجة عن حركة القارب التي تشق المياه. لاحظ رجل الأعمال بضع سمكات من نوع التونا ذات الزعانف الصفراء وسط القارب! تحدث رجل الأعمال إلى الصياد وأثنى على نوعية السمك المصطاد، وبعدها سأل الصياد، كم تحتاج من الوقت كي تصطاد مثل هذا السمك؟ رد الصياد: الوقت اليسير !! . تساءل رجل الأعمال: لماذا لا تأخذ مزيداً من الوقت كي تصطاد سمكاً أكثر؟ رد الصياد المكسيكي إن ما أحصل عليه من السمك يكفي حاجتي وحاجة عائلتي ياسيدي! ثم تساءل رجل الأعمال مرة أخرى: وماذا تصنع بباقي وقتك في اليوم؟ رد الصياد \"أصطاد قليلاً، ألعب مع أطفالي، آخذ قيلولة مع زوجتي، إذا حل المساء أتجول داخل القرية وأتسلى مع أصدقائي، ثم أنام متأخراً. إن يومي مليئاً ومشغولا! ياسيدي\". قال رجل الأعمال متهكماً :\" أنا أحمل شهادة إدارة أعمال من جامعة هارفارد العريقة، وأستطيع أن أقدم لك يد العون!. من المفترض أن تصرف وقتاً أطول في الصيد لتجمع سمكاً أكثر، ومع زيادة دخلك تستطيع شراء قارب أكبر. ومع هذا القارب الكبير يكون دخلك أكبر وتستطيع شراء مجموعة من القوارب الأخرى. وأخيراً سيصبح عندك أسطولا من قوارب الصيد. وبدلا من أن تبيع السمك للوسيط ستتمكن من بيعه بنفسك إلى الموزع مباشرة!. ومع توافر دخلك وتتابع أرباحك ستكون قادراً على إنشاء مصنع معلبات للتونا بمالك الخاص. في ذلك الحين ستتمكن من السيطرة على سعر السلعة في السوق وستكون أنت المنتج وأنت الموزع!.في تلك الساعة ستفكر في مغادرة هذه القرية الصغيرة الهادئة لتنتقل إلى مدينة أكبر في المكسيك. وبعد فترة ستنتقل إلى لوس أنجلوس في أمريكا، وأخيراً سيستقر بك المقام في نيويورك المدينة التجارية الكبرى، حيث ستدير من هناك شركتك الوليدة المتوسعة\". رد الصياد قائلاً: \"سيدي كم من الوقت سيأخذ كل هذا؟ \"رد رجل الأعمال وقال: \"من 15 إلى 20 سنه\". الصياد: وماذا بعد ذلك سيدي!. رد رجل الأعمال ضاحكاً \"هذا هو أجمل جزء في الحياة .. حينها يكون الوقت مناسباً لتطرح شركتك في سوق الأسهم وتبيع الحصص على الهوامير و صغار المساهمين، في تلك الفترة ستكون غنياً جداً.. تجني مئات الملايين!! \" رد الصياد: \" الملايين سيدي .. وماذا بعدها ؟ !!\" رد رجل الأعمال يقول \" حينها سترغب في التقاعد، وستفكر في العودة إلى قريتك الصغيرة لتصطاد قليلاً من السمك، وتلعب مع أطفالك، وتأخذ قيلولة مع زوجتك، ومن ثم تتجول مساءً في داخل القرية لتتسلى مع أصدقائك، و أخيراً تنام متأخراً \". ظهرت البسمة على وجه الصياد و رفع إليه نظره يقول : أليس ذلك ما أقوم به الآن سيدي !! عزيزي القارئ لا أستطيع أن أجزم أو أخمن عما يدور في عقلك من انطباع عن هذه القصة. لكن ما أعتقده هو أن الصياد كان ناجحاً في حياته نجاحاً سعيداً، نعم حياته بسيطة، دخله قليل، بيته ليس قصراً!. لكنه حقق عما عجز عنه الكثير ممن يملك الملايين في تحقيقه إلا بعد ما أفنوا معظم أعمارهم في طلبه!!. بينما حققه الصياد بأسرع وأقصر الطرق الممكنة، أليس هذا نجـــاح ؟. نعم النجاح هنا هو قدرة الصياد على تحقيق الرضى النفسي والاستقرار العائلي والتوائم الإجتماعي.. يأكل طعاماً لذيذاً وينام نوماً هانئاً عنده زوجة وأبناء. فماذا يريد أكثر؟ ألسنا نطلب ما عنده! أظن الجواب نعم بالتأكيد. لكن المختلف في القصة هو أنه حقق ذلك بأبسط الإمكانات الموجودة وبأسهل الطرق الموصلة والأهم هو أنه يعتبر هذا نجاحاً حقيقياً ! هناك تجار الملايين وملّاك الشركات الإمبراطورية في حجمها ودخلها وتوسعها، ومع هذا كله قد يفتقدون نصف ما يملك الصياد !!. فماذا تفيد تلك الملايين إن لم أستطع النوم إلا بالمنومات.. أو ماذا أفعل بإدارة هذه الشركات بينما عائلتي مفككة وزوجتي مطلقة! . وماذا ستجني نفسي بالملايين بينما هي تطمع ولا تشبع، في غير رضى بل في كدر . إذاً عزيزي القارئ النجاح بين يديك في كل ساعة وفي كل مكان. فقط اعمل واجتهد بما تملك من امكانات ولو كانت بسيطة جداً وما تتوفر لك من ظروف وإن كانت صعبة وستجد النجاح السعيد. ولنتذكر دائماً النجاح ليس مادة، والمادة ليست نجاح، النجاح هو ما تصيغه أنت بعقلك وإدراكك وتحيه بإيمانك . أستطيع أن ألخص قصة الصياد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا). حديث حسن وكما قال نفطويه: إذا ما كساك الدهرُ ثوبَ مصحَّةٍ ولم يخل من قوت يُحَلَّى ويَعذُبفلا تغبطنّ المترَفين فإنـــــــــــه على حسب ما يعطيهم الدهر يسلب مشعل بن ملهي العريفي، عمادة القبول وشؤون الطلاب.