Home | Jisr News

الرؤيـة بالأذن

أ.سليمان بن صالح المطرودي

للأسف نرى كثير من الناس يحكم على الناس من خلال ما يسمعه عنهم، دون تثبت أو تبصر، فصاروا بدون بصر ولا بصيرة في أحكامهم على الناس.

الأصل في الناس العدالة، والجرح فيهم طارئ، والأصل الصدق، والكذب طارئ، والأصل الوفاء، والخيانة طارئة، والأصل الإخلاص، وعدمه طارئ، وهكذا؛ ومتى طبقنا الأصل واقعًا في حياتنا وتعاملاتنا، وأغفلنا (أو تغافلنا) عن الطارئ، وكان إحسان الظن بالآخرين مقدم على إساءة الظن بهم، إلا إذا ثبتت شواهد وبراهين على خلاف الأصل، انطلاقًا من قوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فالتبين والتثبت وعدم التسرع من الفاسق أو الأخبار التي تقود للفسق مطلب شرعي مهم.

يقول ابن العم الشاعر عبد العزيز ابن فوزان:

اسمع بعينك واحذر تشوف بأذنك   وخلك مكان الغير من قبل تحكم

قرأت مقولة وأعجبتني، جاء فيها: "إذا كان لديك عينان، فلماذا ترى الناس بأذنيك؟!

عامل الناس بما (ترى) منهم .... وليس بما (تسمع) عنهم ...".

قد يكون الناقل عن الآخرين واهم، أو من مجرد انطباع أولي دون تمعن وتثبت، أو يكون صاحب هوى، ويسعى للإفساد والوقيعة، أو لتحقيق مصالح شخصية له وإيقاع الضرر بالمنقول عنه.

رؤية الآخرين بالأذن آفة تؤدي إلى الظلم والقطيعة والبغضاء والشحناء بين الأطراف.

فالحكم على الآخرين لا يكون من خلال زاوية أو زوايا محددة، بل لا بد من النظر إلى الصورة كاملة، وتفعيل دور الحواس بما هي له، لتكون الأذن للسماع لا للرؤية، والعين تكون للرؤية لا للسماع.

ومتى أدركنا أن ليس هناك إنسان كامل، تمكنا من إصدار الأحكام العادلة بشأنهم، وحافظنا على نسيج العلاقات من التقسيم والتصنيف والتشرذم، والنأي بها عن الأثار السلبية المترتبة على مثل ذلك.

الرؤية بالأذن وإصدار الأحكام دون تثبت أمر مثير للإزعاج لدى الكثيرين خاصة المتضررين من تلك الأحكام الظالمة الجائرة، ولو تذكر هذا الرائي بالأذن الحاكم دون تثبت أنه عرضة أيضًا للحكم عليه من الآخرين، وأن السهم القاتل الذي وجهه نحو الغير سيرتد إليه يومًا، لما قبل تلك الرؤية، وتدارك الأمر بالتثبت والبحث عن الحقيقة، من خلال التعرف على الظروف المحيطة بالآخرين، والجوانب الخاصة المحيطة بهم، ومعرفة ظروف الناقل عنهم، ودوافعه وأهدافه، ومردود ذلك عليه لاحقًا.

فمتى حققًا الأصل في الناس، والرؤية بالعين، والسماع بالأذن، والتثبت والتحقق، حققنا السلامة لذممنا وصدورنا وضمائرنا، والحفاظ على علاقاتنا وسلامة مجتمعاتنا وروابطنا الأسرية والوظيفة والوطنية.

جعلنا الله وإياكم من المتثبتين الباحثين عن الحق، البعيدين عن الظلم والتجني على الآخرين.

الأكثر مشاهدة

ألبوم الصور

ما رأيك في التصميم الجديد لموقع صحيفة جسر؟