سليمان بن صالح المطرودي
في غالب الجهات والمنظمات هناك موظف يُعرف بـ"الجوكر" يكلف بالمهمات الصعبة؛ خاصة في أعمال التأسيس، والتي تحتاج إلى جهد مضاعف وتميز وإبداع ودقة وسرعة إنجاز.
الجوكر في الإدارة وغيرها، تطلق على الشخص صاحب المهمات والوظائف المتعددة والصعبة، لما يُلم به من معرفة ولما يتميز به من خبرة وعلاقات متميزة، وقدرة على التحمل والتفكير خارج الصندوق، ودقة وسرعة الإنجاز، ولما يمتلكه من مهارات في الإدارة والإبداع، والقدرة على تجاوز العقبات، والأهم أنه يُقدم مصلحة العمل على مصالحه الشخصية، ولا يشترط أو يفاوض حول المقابل المادي الذي سوف يحصل عليه مقابل إنجاز المهمة المكلف بها، ويكتفي بقبول الوعود (الوهمية) لكونه "يُحسن الظن" برؤسائه في العمل، ولأنه لم يأخذ بوصية الجوكر (الخيال): (إذا كنت بارعًا في شيء فإياك أن تفعله مجانًا)!
هو الشخص الذي يستطيع سد غياب أي موظف لأي سبب كان، ويقوم بعمله على أكمل وجه، دون أن يتأثر سير العمل، أو يشعر أحد بغيابه.
هو الشخص المنقذ لرؤسائه عند حدوث أي مشكلة، ويجد لهم المخرج الآمن منها.
الجوكر موظف يحظى بدعم ورعاية (ضبابية) ويمتلك صلاحيات (وهمية) ويقوم بمهام ومسؤوليات (جسيمة).
يترعرع الجوكر وينمو في البيئة الإدارية (المتخبطة) خاصة (عند غياب المهام والمسؤوليات، واحتكار الصلاحيات) ويستخدم الجوكر المسؤول الغير واثق من نفسه وقدراته الوظيفية والإدارية، ومن معه من الموظفين، ليختفي خلف الجوكر هروبًا من المسؤولية (في ظنه).
تتميز الإدارة بالجوكر، بمعالجة مشكلة ما تتطلب حلاً عاجلاً، وسد فراغ وظيفة غاب شاغلها، وتحقيق إنجاز مؤقت وبأقل التكاليف، إلا أنها تكون طريقًا لخلق مشكلات متعددة، وتلقي بظلالها على المنظمة ومحيطها ومنسوبيها، بدأ بتعطل الخدمات والمنتجات التي تقدمها المنظمة للعميل الخارجي والداخلي على حدّ سواءَ، مرورًا بقتل روح العمل والإبداع والتميز والولاء لدى منسوبي المنظمة، وخلق بؤر للفساد الإداري والمالي داخل المنظمة، انتهاءً بفشل المنظمة وعدم قدرتها على الاستمرار في أداء مسؤولياتها والقيام بواجباتها، لتراجع همم منسوبيها، وقتل طموحهم.
القيادي هو من يصنع الجوكر الأكفاء والأفضل في تخصصه، ويستثمره الاستثمار الأمثل لصالح المنظمة، من خلال احتوائه وتنمية مهاراته وقدراته، وتوجيهها في الاتجاه الصحيح، للارتقاء بالعملية الإدارية وتطويرها، وتحقيق نتائج أعلى وفق مستهدفات المنظمة.
الإدارة بالجوكر ربما تكون كابوسًا مزعجًا للمسؤولين الذين لا يعرفون الإدارة إلا من خلال الجوكر الذي يُجيد اللعب بدل أي ورقة، ويمكن الاستغناء عنه في أي لحظة بحجة أنه لا يملك المؤهل المطلوب للقيام بهذا الدور، أو لأنه لا يُجيد لغة ثانية لشغل تلك الوظيفة، أو بهما معًا أو بغيره من الحجج المعلبة الجاهزة الممجوجة.
الجوكر هو الشخص الذي دخل كل مكتب وشغل كل وظيفة في المنظمة، ولكنه في النهاية يداوم دون مكتب ودون وظيفة، وكأنه (مشرد) وبلا قيمة وبلا مكافأة وربما حرم مستحقاته الثابتة، رغم الجهد الذي يبذله والخبرات والقدرات والمهارات التي يملكها ويتميز بها، إلا أنه لا يجد قدره ولا تقديره من رؤسائه -البسطاء- في العمل.
المسؤول الناجح هو من يستطيع صناعة الجوكر داخل كل موظف من موظفي المنظمة، والاهتمام بهم ورعايتهم وتطوير مهاراتهم وقدراتهم، ووضع كل واحد منهم في المكان المناسب له وفق خبراته وقدراته ومهاراته، لضمان سير العمل وتحقيق مصالح المنظمة العليا، وغالبًا لا يستطيع ذلك إلا القادة لا المدراء، فهم القادرون على قيادة مركب الإدارة إلى قمة النجاح بفريق متميز مبدع.