أ. سليمان بن صالح المطرودي
"من وحي الوظيفة والإدارة" عنوان مجموعة من شذرات قلمي دونتها على آمل أن تكون بمجموعها كتابًا يحكي تجربتي في ميدان الوظيفة والإدارة، يصدر -بإذن الله تعالى- بعد تقاعدي؛ ونزولاً عند رغبة بعض الأصدقاء الذين ألحّوا علي بكتابة ملخص لتلك المجموعة، رغبة في الإفادة منها أدوّن تلك الأسطر عن تلك المرحلة التي لم تكتمل بعد من حياتي.
بدأتُ حياتي الوظيفية متعاقدًا على نظام الساعات، على وظيفة "مسجل معلومات" وكانت المفاجأة أن العمل الفعلي هو "مراسل" نظرًا لعدم وجود حواسيب في تلك الفترة، فظلاً عن وجود أنظمة وبرامج حاسوبية للعمل عليها، وبعد أيام من مباشرة العمل، تم إسناد مهمة أخرى لي، وهي "كاتب وارد وصادر" للإدارة، ثم موظف "الارشيف" ثم "ناسخ" فخلال شهرين أصبحت أقوم بكل تلك الوظائف للإدارة، ولا زلت أتذكر تلك الفترة التي استمريت فيها قرابة سنتين، لكونها أهم فترة مررت بها حتى اليوم، فقد كانت مرحلة التأسيس والتدريب والتعلم الوظيفي، تعلمت منها الكثير والكثير، من التحرير، والتوجيه على المعاملات، واتخاذ القرارات، ومسار المعاملة الصحيح، وغيرها من المكاسب الوظيفية والإدارية التي أهّلتني للتميز في كل المواقع الوظيفية التي عملت فيها -ولله الحمد-لاحقًا، وبعد ذلك شغلت عدد من الوظائف والمهام الوظيفية، كـ (محرر، سكرتير، ومدير مكتب، وسكرتير تنفيذي، ورئيس قسم، ودارس قضايا، ومساعد ملحق، وملحق في عدد من سفارات المملكة بالخارج، ومشرف، ومدير إدارة، ومدير مركز تدريب، وعضوية ورئاسة العديد من اللجان) وغيرها من المهام الوظيفية التي كلفت بها واكتسب من خلالها الخبرات المختلفة والمتنوعة، في عدد من الجهات الحكومية التي عملت فيها، وأرجو أن أوفق في اختصار تلك المسيرة التي تجسد تجربة وظيفية والدور الحيوي لها في التطور المهني والشخصي في النقاط التالية:
- استحضار النية الصادقة وإخلاص العمل لله -عز وجل- الأمر الذي يجعل سلوك الموظف يتسم بالأمانة والموضوعية والحيادية والعدالة والبعد عن الشبهات، والعمل الجاد لأداء الواجبات الوظيفية لتحقيق الأهداف، بعيدًا عن استغلال الوظيفة لتحقيق المنافع الشخصية.
- الاطلاع على الأنظمة واللوائح والتعاميم والتعليمات المتعلقة بالوظيفة، لتنمية روح المسؤولية، ورفع ثقافة الموظف وظيفيًا ومهنينًا، ولتعزيز علاقته بمرؤوسيه وزملائه والجمهور.
- الإلمام بالمهام الوظيفية، وفهم طبيعة العمل، لتمكن من أداء الواجبات الوظيفية والمهام الموكلة إليه بكفاية عالية وإنجاز متميز، دون أي تجاوز أو تقصير يُخل بالعمل.
- التكيف مع بيئة العمل، وتسخير الصعوبات والتحديات والضغوط بمواجهتها إيجابيًا، لتكون فرصة لتعزيز المهارات واكتساب خبرات جديدة، مما يعزز الشغف والتطوير والتفوق والتميز.
- بناء علاقات جيدة مع الزملاء والرؤساء والتفاعل معهم إيجابيًا، لتكون مصدر إلهام، مما يعزز جوًا إيجابيًا في بيئة العمل، ودافعًا لتحقيق أهداف مشتركة وتعزيز روح الفريق الواحد.
- التعلم والتدريب والتطوير المستمر للمعارف والمهارات والقدرات الشخصية والمهنية، فهي مصدر طاقة مستمر.
- العمل على تحقيق الأهداف سواء على مستوى الأداء الفردي أو الجماعي، والمساهمة الفعّالة في نجاح الفريق.
- إشاعة التأثير الإيجابي، والرضا الوظيفي، والتوازن بين الحياة الشخصية المهنية، لكونها مصادر مهمة لإشباع الرغبات والإلهام في الاستمتاع بكل جوانب الحياة، مما يساهم في تحسين الأداء وتحقيق الإنجاز.
فمن وحي الوظيفة، يتجلى الإلهام في تفاصيل يومية تشكل جزءًا لا يتجزأ من حياة المرء.
أما تجربتي في الإشراف والإدارة، هي رحلة بين تحديات القيادة وتحقيق النجاح الإداري، رحلة فريدة تتطلب فهمًا للقيادة والتحديات التي تواجهها في مجال الإدارة؛ حيت تبدأ بتحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات الحاسمة، مما يشكل تحديات يومية (خاصة في ظل وجود منافسين شرسين في كثير من الأحيان) واختصر هذه الرحلة فيما يلي:
- لا تبحث عن كرسي الإدارة ولا تسعى إليه، ولك أن تقبل به إذا أتى إليك ووجدت فيك القدرة على حمله، وتحمل مسؤولياته وتبعاته الإدارية؛ لأن البحث عن المنصب أول محطات الفشل!.
- قبل قبول المنصب الإداري؛ تعرف على الإدارة ومنسوبيها وظروف العمل بها وظروف العاملين فيها، لتعرف قدراتك في القيادة فيها من عدمه.
- متى وصلت إلى كرسي الإدارة، لا تحدث تغيرًا جوهريًا سريعًا؛ بل واصل مسار العمل بتعزيز الإنجازات السابقة وتطويرها، والتعرف على المشاكل والسلبيات ومعالجتها والتخلص منها، وعدم تعليقها أو تأجيلها، لأنها ستكون عقبة في طريق أي نجاح في المستقبل، واعمل على وضع رؤية واضحة، وكون فريق عمل يؤمن بالرؤية وقادر على العمل على تنفيذها، لتكون الرؤية مصدر إلهام لك وللفريق، وتحفيزهم لتحقيق أهداف طموحة، ومنعطفًا هامًا في أي تحول وتغيير منشود.
- اجعل فريق العمل يتبنى البرامج والمشاريع المستهدفة، وكن مصدر إلهام لتفاعل فعّال يثري الرؤى ويعزز الإبداع والابتكار والالتزام لدى الفريق، بفهم أفضل الاحتياجات وطموحات فريق العمل، وبناء علاقات قوية في بيئة العمل، فالتواصل الفعّال والدعم المتبادل يخلقان أجواء إيجابية تعزز التحفيز ورغبة الموظف والمدير في العمل بجهد أكبر.
- تحفيز الفريق يؤدي للإبداع، وتقدير الجهود والإنجازات يعزز رغبة الفريق في تقديم أداء متميز، والقيادة بالمثال تؤدي للتفاني، والتطوير المهني يؤدي للنضوج المهني، وجميعها تؤدي إلى الرضا الوظيفي وتحقيق الإنجازات.
- القيادة الفعّالة للتحديات بكفاءة، تُلهم الفريق بالثقة في القايد والقدرة على تحقيق الأهداف والمنجزات.
من وحي هذه النقاط وغيرها، تنبثق إدارة فعّالة -بإذن الله تعالى- تسهم في بناء بيئة عمل ملهمة، تحقق التوازن بين تحقيق الأهداف المؤسسية وتلبية احتياجات وتطلعات الموظفين، فبناء بيئة عمل ملهمة يتطلب مجهوداً مستمراً واهتماماً بالعناصر التي تحفز الإبداع وتعزز الرضا الوظيفي.
تتنوع التحديات والإلهام في عالم الوظيفة والإدارة، حيث ينطلق الموظف والمدير في رحلة مستمرة من التعلم وتحسين الأداء، ويكمن جوهر التجربة في بناء علاقات قوية بين أعضاء المنظومة، وفهم عميق لاحتياجات كل طرف، وبواسطة القيادة بروح التعاون والاستماع الفعّال، يمكن للمدير أن يحقق نجاحًا في مجال الإدارة تعزز الإنجازات الشخصية والمؤسسية للمنظمة.
في النهاية، تتطلب تجربة الموظف والمدير الناجحة التوازن بين التحديات والإنجازات، إنها رحلة مستمرة من التعلم والتطور، حيث ينمو الموظف بشكل فردي ويساهم في نجاح المؤسسة.