أ. سليمان بن صالح المطرودي
الغش من مصدر (غشش) والغِش بكسر الغين نقيض النّصْح.
وقد غَشَّه يَغُشُّه غِشّاً: لَمْ يَمْحَضْه النَّصيحة.
والغش خداع مقرون بسوء النيّة وقصد الإضرار بالآخرين.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، قال أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، "من غش فليس مني").
الغش خيانة للأمانة وللنفس وللجهة التعليمية وللمعلم وللمراقب في قاعة الاختبارات، وللمجتمع عمومًا، وهو يؤثر سلبًا على جودة التعليم ويضر بمصداقية الشهادات العلمية الحاصل عليها المُتعلم، وبالجهة المانحة للشهادة متى انكشف أمره؛ لأنه حصل على الشهادة بطريقة غير شرعية، ودون جد أو اجتهاد، بل بمجهود غيره من خلال طلب العون غير للحصول على المعلومات والإجابات الصحيحة بطرق غير نظامية ومخالفة لقيم النزاهة والأخلاق في بيئة التعليم والتعلم، وسرقة الأفكار، واستخدام وسائل ومصادر غير نزيهة وغير قانونية وغير مصرح بها في الاختبارات الفصلية أو النهائية أو الأعمال الفصلية، لتحقيق ما يريده بطريقة غير مستحقة، ولتفادي الفشل والإخفاق بأي مادة دراسية.
وتتنوع أسباب ودوافع الغش، ومن بينها -على سبيل المثال-: الإهمال وعدم المبالة بالدراسة طوال السنة الدراسية، وقد يكون للضغط الكبير من قبل الأسرة أو المدرسة دور في ذلك، والرغبة الشديدة في تحقيق النجاح بأقل جهد، والرغبة في الالتقاء بتوقعات المجتمع أو الأقران، والقلق الزائد عن حده في عدم القدرة على تحقيق النتائج الإيجابية، وغيرها من الدوافع -الوهمية- التي تدفع الطالب إلى اللجوء للغش لتحقيق نتائج أفضل ولتجاوز الصعوبات أو الفشل المحتمل، ومن أهم تلك الأسباب (ضعف الوازع الديني) لدى الطالب، الذي هو صمام الأمان لحياة أي إنسان.
وفهم هذه الأسباب يساعد في تطوير استراتيجيات فعّالة لتقليل حالات الغش وتعزيز النزاهة في المجتمع التعليمي.
تعتمد أساليب الغش على السياق والظروف، ومن بعض الأساليب الشائعة بين الطلبة -على سبيل المثال-: تبادل التلميحات مع الزملاء خلال الاختبارات، واستخدام الهواتف المحمولة أو الأجهزة الإلكترونية للبحث عن إجابات أثناء الاختبار، أو الساعات الذكية، وكتابة ملاحظات أو إجابات على أوراق صغيرة أو على الملابس أو الجسد، وإخفائها للاطلاع عليها خلال الاختبار، وغيرها من الأساليب التي يتفنن بها بعض الطلبة ويتداولونها فيما بينهم؛ بل ويعمد بعضهم إلى تطويرها مستفيدًا من التقنية وبرامجها الحديثة والمتطورة.
ولا شك بأن هذه الأساليب غير أخلاقية وتنتهك قواعد النزاهة والأخلاق التي يجب أن يلتزم بها الطلاب في بيئة التعلم.
ولمنع الغش، يمكن للجهة التعليمية اتخاذ عدة إجراءات منها -على سبيل المثال-: العمل على رفع مستوى الوازع الديني لدى جميع الطلبة ومنسوبي الجهة التعليمية، لما له من دور كبير في تعزيز الشعور بالالتزام وضرورة التصرف بالنزاهة والمسؤولية الأخلاقية التي تحول دون أي تصرف مخالف، وتعزيز الثقة بالنفس، والوعي بأهمية النزاهة والأخلاقيات في التعلم وتحفيز الطلاب على اتباعها، والتأكيد على قيم التعلم وأهمية فهم المواد وتطوير المهارات في المدى الطويل بدلاً من تحقيق نتائج فورية، وذلك من خلال عقد وتنفيذ الدورات والمحاضرات والنشرات والرسائل التثقيفية الموجهة للطلبة، والعمل على استخدام تقنيات تقييم متنوعة، مثل الاختبارات الشفهية أو المشاريع العملية، واختلاف نماذج الأسئلة لتقليل فرص الغش، وكذلك رفع مستوى تقنيات المراقبة من خلال استخدام الإشراف الفعّال وتنظيم الاختبارات في بيئة مراقبة محكمة، والتفاعل الإيجابي مع الطلبة الذين يظهرون أخلاقيات عالية ويتجنبون الغش وتكريمهم أمام الجميع، وتوزيع الطلبة بشكل فعّال داخل قاعات الاختبارات، وتعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب، حيث يمكن أن يساعد ذلك في تحفيز الاستيعاب والفهم العميق، مع إعطاء الطلبة فرصة لتحمل المسؤولية عن أدائهم والمشاركة في تحسين بيئة الاختبارات.
في المقابل تطبيق الأنظمة الصارمة والرادعة بحق من يثبت بحقه الغش، من خلال تطبيق العقوبات الأكاديمية، والتوقيف المؤقت عن الدراسة، والإشارة إلى حالات الغش في السجل الأكاديمي للطالب؛ مما يؤثر على مستقبله التعليمي العالي أو الوظيفي، وغيرها من الإجراءات التي بتكاملها تحدث توازنًا بين الردع وتقديم فرص للتحصيل على تصحيح وتطوير المسار، وبما يساهم في القضاء على المشكلة ويحقق بيئة تعلم نزيهة وعادلة.
وللجميع دور هام في مكافحة الغش، بداءً من الأسرة، والمجتمع، والحاضنة التعليمية، والمعلم، والمراقب، والإداري، والطالب، للوصول على بيئة تعليمية واختبارات نزيهة وفعّالة وملهمة ومشجعة وشفافة وواعية بالأخلاقيات والسلوكيات الأكاديمية والبحثية والإدارية والعواقب السلبية للغش على الجميع.
فتوى في حكم الغش لسماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله-:
(الغش في الامتحان محرم ومنكر كالغش في المعاملات، وقد يكون أعظم من الغش في المعاملات؛ لأنه قد يحصل له وظائف كبيرة بأسباب الغش، فالغش محرم في الامتحانات في جميع الدروس؛ لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: (من غشنا فليس منا) ولأنه خيانة والله يقول جل وعلا: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] الأنفال:27.
فالواجب على الطلبة في أي مادة أن لا يغشوا، وأن يجتهدوا في الاستعداد حتى ينجحوا نجاحًا شرعيًا).
فتوى في حكم الغش لفضيلة الشيخ/ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله-:
(الشيخ: هناك ما يحل للطالب أن يغش في أثناء الامتحانات؛ لأن الغش من كبائر الذنوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من غش فليس منا». ولأنه يترتب على غشه أن ينجح، أو أن يعطى ورقة النجاح، وهو غير جدير بذلك، ثم يتولى مناصب في الدولة لا تصلح إلا لمن يحمل الشهادة، وإذا كانت هذه الشهادة مبنية على غش، فإنه يخشى أن يكون ما يأخذه من الرواتب حرام عليه؛ لأنه يأخذه وهو غير مستحق له، حيث إنه لم ينل حقيقة الدرجة، أو بالأصح لم يصل في الحقيقة إلى الدرجة التي تؤهله إلى هذا المنصب، فيكون أخذه للراتب من أكل المال بالباطل، فليحذر إخوتنا وأبناؤنا من الغش في الامتحان في أي مادة كانت؛ لأن الحكومة لما وضعت المناهج على هذا الوجه ودخل الطالب لهذه المدرسة، أو المعهد، أو الجامعة على أساس أنه ملتزم بجميع مواده ومناهجه، فإنه يجب عليه أن يوفي بهذا، وألا يخون في أي مادة من المواد، وأما ظن بعضهم أنه لا بأس في غش مادة اللغة الإنجليزية والفرنسية أو مادة الرياضيات، فإن هذا ظن لا أساس له من الصحة؛ لأن جميع المواد التي في المنهج مطالب بها الدارس، ويعطى الشهادة على أنه أتقنها جميعها، فإذا غش في بعضها، ونقل من غيره، أو لقنه غيره كان ذلك خيانة لأمانته، وأدى إلى أن تكون غير ناجح في الحقيقة).