د. محمد بن عبد الرحمن العويرضي
من المتعارف عليه انه في مثل الزيارات الرسمية التي يقوم بها وفد أو شخصية مهمة إلى إحدى المؤسسات أو الجامعات الحكومية، تُفرض بروتوكولات معينة في تحديد مخطط خاص للزيارة وفق بنود تنظيمية خاصة تكون مهمتها الأساسية هي تقديم صورة مشرقة تعكس الواجهة المتميزة للمكان المراد زيارته وتعطي في الآن ذاته فكرة عن المستوى الراقي الذي يطمح المنظمون للزيارة أن يلتصق بذاكرة الضيوف. من هذا المنطلق كانت الزيارة الميدانية لكل من مركز الحاسب والمكتبة والمعامل قاعدة أساسية تفرض نفسها ضمن بروتوكل الزيارة لمختلف الجامعات والمعاهد لأنها الواجهة الأكثر ملائمة لعكس عصرنة التوجه المعتمد في البرامج الأكاديمية وتطور توجهه وانفتاحه على الآخر ومواكبته لمستجدات التقنية وظروف التعليم المتقدم. حيث أصبحت هذه المرافق العلمية المتطورة بمثابة الأهرامات في تلك المؤسسات الحكومية ،فلا تكتمل زيارة الضيف ولا تتحقق الغاية الحقيقية من تنظيمها إلا بالقيام بجولة تعريفية لهذه الأماكن وتفقد محتوياتها والوقوف عند معالم الجودة والتميز فيها، تماما كما هو الحال بالنسبة لأهرامات مصر فلا تعد زيارة سائح للقاهرة مكتملة إلا بعد أن يغبر قدميه برمال أحد أهم عجائب الدنيا ليتعرف عن قرب على أسرار بنائها والانبهار ببراعتها. غير أن المتأمل في الأسباب التي تجعل إدارات العلاقات العامة في المؤسسات التعليمية والجامعية وغيرها من الجهات الحكومية الأخرى تقوم بإدراج هذه المواقع ضمن جدول كل زيارة، سيدرك تمام الإدراك أن العامل المشترك بينها يكمن في التجهيزات التقنية الموجودة بها. فغير خاف للعيان انه في كل جولة ميدانية يكتسي موظف العلاقات في الجهة صبغة المرشد السياحي ويتقمص شخصية مندوبي المبيعات ليقوم بالتعريف بما يزخر به هرم الجهة الثاني أو الثالث من أجهزة متطورة وبرمجيات تماثل نظيراتها في الدول المتقدمة في إطار أشبه ما يكون بمهمة تسويقية ترويجية للمنتج المعروض. وذلك اعتقادا منه بأن كشف هذه \"الدرر والنفائس من البضائع\" ، هو ما يحقق الهدف الأسمى من زيارة الضيف والمتمثل أساسا في تقديم صورة ايجابية عن الجهة وترك انطباع جيد لدى الزائر ليشهد بأم عينيه على مدى التقدم والتطور الذي وصلت إليه . ولكن لو دققنا فيما يتم عرضه في كل جولة لاكتشفنا بأن ما نقوم به ما هو إلا دعاية مجانية لمنتجات الشركات العالمية وإبراز لمدى نجاحها في غزو أسواق معظم دول العالم وكأننا بذلك نعد دراسات إحصائية لواقع سوق الأجهزة وماركاتها . لنصل إلى الحقيقة المرة وهي أننا بصنيعنا ذاك نعرض انجازات الآخرين ونجاحاتهم فيما اقتنيناه نحن من أسواقهم. وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل : أين هو عرض انجازاتنا امام كل ذلك؟ أين تتجلى بصماتنا نحن فيما صنعه الآخرون ؟ ما هي مظاهر الرقي والتطور الذي نتغنى بها، هل فقط في قدرتنا على التعامل مع هذه الأجهزة ؟ أم في قدرتنا على الحصول عليها واقتنائها فقط ؟ بالتأكيد لا أحد ينكر بأن عرض التقنيات المستخدمة في انجاز الأعمال أو التدريس في برامج الجامعات ومقرراتها هام جدا ولكن يبقى الأهم من ذلك هو مدى استيعابنا لقيمة التقنية كوسيلة للإبداع وخلق الجديد وأن لا يقتصر الأمر لدينا على مجرد اقتناع بان وجود الأجهزة واقتنائها هو مظهر للتطور يعكس توجهنا نحو الانفتاح ومواكبة سباقات العلم والمعرفة بل ينبغي أن نؤمن بان نجعل منها الوسيلة التي نحقق بها الغاية ولن تكتمل الغاية إلا بترك بصمات تعكس منهج البحث والتطور والإبداع والتغيير. لذلك أحببت ان الفت النظر إلى خطورة هذه الفكرة الراسخة في الاذهان و التي من شانها أن تعرقل كل جنوح نحو التغيير وان نعمد جميعنا إلى محاولة تنقية افكارنا وعقولنا من كل الشوائب المادية البراقة مقابل أساسيات مهمة. فكم أرجو أن تتغير طريقة نظرتنا لتفاهات القشور مقابل نظرة عميقة للب الأشياء وجوهرها ببصيرة وحكمة نبتعد بها عن المظاهر المادية والاعتقاد الخاطئ بأن القدرة على شراء كل متطور هو التطور بعينه فلا ينبغي الاكتفاء باستراتيجة الاقتناء واعتبارها الأساس الأوحد الذي ينبغي الاعتماد عليه في خطط التنمية والرقي. فلا جدوى من بريق يبهرك لمعانه إن لم يكن ضوؤه كاشفا للظلام . وأرجو كذلك أن يكون جل التركيز منصبا في مثل هذه الزيارات على انجازاتنا الملموسة في هذه الجهات بدلا من استعراض قدرات الآلة وجرد لأنواعها وماركاتها والتباهي بذلك. وعودا مرة أخرى إلى أهرامات الجيزة فكما يعلم كل من قام بزيارتها بأن غالب حديث المرشد السياحي في ذلك المزار لا يكون عن نوع الحجارة التي بنيت بها الأهرامات وحجمها ولونها وإنما يركز في حديثه على بيان مدى تقدم الفراعنة العلمي في مجال الحساب والهندسة وعلوم البناء الذي مكنتهم من استخدام هذه الحجارة الصماء لبناء أعجوبة من عجائب الدنيا لا زالت تكتشف أسرارها حتى هذا اليوم. إنها أهرامات العقل البشري لا أهرامات الآلة والأجهزة كما لو كانت طوبا وحجرا جيء به للفرجة والنظر والتباهي به فقط لا غير.عميد كلية الحوسبة والمعلوماتيةالجامعة السعودية الإلكترونية