أ. أفنان عبدالرحمن السدحان
نعيش في هذه الحياة ونلتقي بأنماط من الشخصيات التي تستوقفنا معهم بعض المحطات .. حينها قد يكون في الأذن متسع لكل مسموع والفكر منشغل بكل موقف .. ! وذلك كفيل بأن يكدر على كل واحد منا صفو الحياة ..
ولعل استحضار عدم كمال الناس وما يعتريهم من نقص هو خطوة في طريق السعادة فالعلاقات المميزة لا تعني أن أحد الطرفين لم يجد يوماً من صاحبه ما يكره بل تعني أنك قررت التغافل عن كثير من الأحداث فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه، فالحياة تنتظم بالتغاضي وتنسجم بالتراضي وتنهدم بالتدقيق وتنتهي بالتحقيق، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: "الكيس العاقل؛ هو الفطن المتغافل"
وقد قال أحد الشعراء : وقد أمر على السفيه يسبني فمضيت ثمة قلت لا يعنيني .
فالتغافل يحمل في طياته معنى السماحة والعفو ولين الجانب وصفاء النفس وبه يخبو العتب ويعلو الأدب وينال به أعلى الرتب .
وأخرج الإمام أحمد عن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر صحابته حيث قال: (لا يُبلّغِني أحدٌ عن أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)، مما يحث على عدم استقصاء زلات الآخرين والتفتيش عنها على وجه التتبع فالتغافل أدب تحلى به الحكماء ونوَّه بفضله العلماء.
وفي جانب آخر يجب أن لا يكون التغافل في كل أمور حياتك فالتغافل عن الحق ممقوت والتجاهل عن بعض الأمور يزيدها سوء، لكن التغافل يكون في الغالب في الأمور التي لا يمكن تغييرها والنادر حدوثها، فرحم الله من تغافل لأجل بقاء الود وستر الزلة .. قال تعالى في قصة يوسف عليه السلام : (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ).
لكن تكون الصراحة وعدم التجاهل أمر محمود في بعض الأمور وتكمن فيما يلحقك ضرره ويجب إصلاحه، لكن بإمكانك أن تظهر ما يجلب لك المصلحة و تتغافل عن البعض الآخر درء للمفسدة، وضرب لنا القرآن الكريم أروع الأمثلة عن هذا الخلق الرفيع متمثلاً في حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث قال تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} (3) سورة التحريم.
فقد أفشت حفصة رضي الله عنها سراً وأخبر به جبريل النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، فلم يناقشها في جميع ما تكلمت به إنما (أعرض عن بعض ....).أخيرا أقول : تغافلوا تسعدوا، فإن السعادة أن تسير بين الناس سمحاً متغافلاً متجنبا أن تلتفت ! فكثرة الالتفات تعيق الوصول. اللهم اجعلنا ووالدينا وجميع المسلمين من السعداء في الدارين.