د. عبدالله بن سافر الغامدي
العراك الصوتي هو ذلك السلوك المذموم، والفعل المنبوذ؛ الذي تراه في مقرات الأعمال، ومواقع التجمعات، وأماكن الاجتماعات، خصوصاً في الأسواق والطرقات، يقذف أحدهم سباً مرجرج، ثم شتماً يتدحرج ، فيرد خصمه بأقذع الألفاظ، وأسوأ العبارات، ليزداد الصراع، ويكثر السباب، ويكبر العدوان، فلا يردعهما عن السوء رادع، ولا يمنعهما من الجور مانع. وهو اللسان أول أداة يستخدمها الفرد للتعدي على أخيه الإنسان، فعندما يشعر بالإحباط، أو يغضب ويثور، أو عندما يريد الانتقام، فإنه يستخدم اللسان بطريقة همجية فجة، فشرُّ الناس من يهوى السبابا، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم ؛ إلا حصائد ألسنتهم. إن صاحب اللغة المنحطة، واللهجة السوقية؛ يظن أن لجاجته وبذاءته تعزز من صورته الشخصية، وترفع من قيمته اللحظية، ومكانته الموقفية، بينما هي صفة منفرة مقززة، مزعجة ومؤلمة ، تفسد وتضيع، تخرب وتهدم، فكم واحدٍ جاءت نكبته في كلامه، وكم واحدٍ غره لسانه وهانه. سلوك العنف اللفظي يعطينا دلالة على حجم الاختلال النفسي، ومستوى القصور العقلي، والعجز الذهني، حيث يعتقد صاحبه أن لديه بيان ومقام، وفي لسانه حق وصواب، وأن غريمه هو المخطئ المعيب، السيء اللئيم، بينما هو ذاته معلول بالشراسة المتأزمة ، والأنانية المتأصلة، والصنيعة الفاسدة، التي زرعتها التربية الفاشلة. ولعل مما ينفع مع صانع الاستفزاز الصوتي، والمضايقة اللفظية؛ هو التعامل معه بطريقة المحاسبة، وأسلوب المحاكمة، فقد كنا بالأمس نعاقب كل من يصدر منه كلمة سيئة مسيئة بالغرامة والمختوم، وذلك بعد أن يعقد بسببها جلسة صلح، ومجلس مصالحة، ليكون حكم المصلحين ملزم بالتنفيذ، وواجب النفاذ. فحفاظاً على سلامتنا وسلامة غيرنا؛ علينا بالصمت والحلم أمام السباب، والعمل على كظم الغضب، والسيطرة على الانفعال، بأن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن نطفئ نار الغضب بالماء، ومن كان قائماً فعليه بالجلوس، ومن كان جالساً فعليه بالاضطجاع. وللحماية من العراك اللفظي، والصراع الصوتي؛ هناك الكلام الهادف، وهناك الحوار الهادئ، وهناك نقاش له حكمة، ومعه فطانة، وفي كتابنا الحكيم: (وقولوا للناس حُسناً )، فيا زين من جوّد لسانه وصانه، ويا سعادة من جمل حواره، وطيب نقاشه، ويا نجاة من ارتقى في مقاله، واعتلى في طرحه وفي كلامه.