أ.د. عبدالله بن عمر النجار
مما لا شك فيه أن الشؤون الأكاديمية والعملية التعليمية في مؤسسات التعليم العالي هي المحور الرئيس الذي تستند عليه مختلف الجهود والأنشطة التي تستهدف الارتقاء المعرفي بالمجتمع وتزويده بالكوادر البشرية الكفؤة التي تستطيع تحقيق النقلة التنموية المنشودة وتجسير الفجوة التنافسية. وبقدر أهمية المكانة التي تحظى بها العملية التعليمية في الجامعات وحجم الموارد التي تستفيد منها لأداء رسالتها، بقدر ما تتعرض اليوم لضغوطات كبيرة محلياً واقليمياً ودولياً تجعلها مطالبة بتحقيق رهانات الجودة الشاملة والأداء المتميز وخدمة جميع أصحاب المصلحة في المجتمع. وعلى اعتبار أن مخرجات العملية التعليمية ليست سلعا ملموسة يمكن قياسها من خلال خصائصها المادية، وأن الحكم على جودتها يخضع أكثر للأحكام الانطباعية التي تفتقد إلى مرجعيات القياس وضوابط التقييم، فقد برزت حركة الاعتماد الأكاديمي كإطار موثوق يقدم إجراءات وآليات يمكن تبنيها والوثوق فيها لتقييم جودة المخرجات التعليمية وقياس أثارها على المجتمعات. وقد سعت جهات الاعتماد الأكاديمي إلى تحديد الممارسات الجيدة وتبويبها في معايير تغطي مختلف أبعاد العملية التعليمية في المؤسسات الجامعية وتقديمها كمقاييس أو كمحكات يتم على أساسها تقييم جودة اعداد الخطط والبرامج الدراسية، وآليات تنفيذها وإجراءات تقييم مخرجاتها ومدى مساهمتها في تحقيق رسالة المؤسسة الجامعية. وبالنظر لمستوى المتطلبات العالية التي غالبا ما تفرضها جهات الاعتماد الأكاديمي فقد لقيت هذه الفلسفة مصداقية كبيرة لدى مختلف أصحاب المصلحة ذات العلاقة بالتعليم العالي من طلاب وجهات وصية مركزية، سوق العمل، المؤسسات المجتمعية، جهات التصنيف وغيرها. كما لاقت إقبالا واسعا من قبل المؤسسات الجامعية للحصول على شهادة الاعتماد الأكاديمي التي تفيد باعتراف هذه الجهات بمستوى الجودة العالي الذي تقدمه المؤسسات الحائزة عليها. ويجب التنويه بأن الاعتماد الأكاديمي لا ينحصر فقط في الحصول على شهادة من جهة الاعتماد المستهدفة (وطنية أو دولية)، وإنما هو عملية مستمرة تستهدف تحسين الجودة في المؤسسة الجامعية وتلازمها على المدى البعيد. وعليه فمهما يكن مستوى الجودة الذي تبلغه المؤسسة الحائزة على الاعتماد الأكاديمي (المؤسسي أو البرامجي) فإن شهادة الاعتراف التي تقدمها الجهة المانحة تبقى مؤقتة ومتوقفة على مدى قدرة ذات المؤسسة على الاستمرار في تطبيق الممارسات وضمان التحسين المستمر للجودة وإلا فإنها ستفقد الاعتراف. وفي ضوء هذه الرهانات والتحديات، فقد حرصت الجامعة السعودية الالكترونية، منذ نشأتها، على أخذ متطلبات الاعتماد الأكاديمي الوطني والدولي بعين الاعتبار؛ وعملت على تأسيس ممارسات الجودة كجزء أصيل من الثقافة الأكاديمية و التعليمية سواء لدى أعضاء هيئة التدريس أو لدى الإدارات الأكاديمية من أقسام علمية وكليات وعمادات مساندة. وقد استرشدت في ذلك بصفة أخص بمتطلبات الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي (NCAAA) ومعايير الهيئات الدولية للاعتمادات البرامجية التخصصية: AACSB في مجال إدارة الأعمال، ِABET في مجال الحوسبة و CAHIIM في مجال العلوم الصحية، والتي تشمل مختلف أبعاد العملية التعليمية لاسيما إعداد البرامج والخطط الدراسية، وتنفيذها. إعداد البرامج والخطط الدراسية: يؤكد المعيار الرابع من معايير الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي، مثلما تؤكده جل معايير جهات الاعتماد الأكاديمي الأخرى، على ضرورة بناء الخطط الدراسية حول \"رسالات\" مستمدة من رسالة الجامعة، وجعل منظومة بناء ومراجعة وتعديل الخطط الدراسية بالكامل تحت اشراف الإدارة العليا للجامعة. وعليه فقد أسست الجامعة الكثير من الممارسات التي تسهدف إعداد برامج تتوافق مع تطلعات مختلف أصحاب المصلحة في إطار منظومة إدارية متكاملة ومن بين هذه الممارسات نذكر على سبيل المثال لا الحصر: - استهداف جميع برامج الجامعة لمخرجات تعليمية تتواءم وطبيعة رسالة الجامعة وغاياتها. - مراعاة متطلبات سوق العمل في اختيار المحتوى الدراسي. - اقتراح البرامج التي تتماشي مع الخطة التوسعية والاختيارات الاستراتيجية للجامعة على المدى البعيد. - خضوع محتويات الخطط الدراسية للاشراف المباشر لإدارة الجامعة ممثلة في وكالة الجامعة واللجنة الدائمة للخطط والبرامج الدراسية برئاسة مدير الجامعة. - إقرار الخطط الدراسية والتعديل يمر بآليات وإجراءات إدارية محددة. - اخضاع الخطط الدراسية للرأي المحايد من خلال عملية التحكيم الخارجي. - الاستفادة من الشراكات الاستراتيجية للجامعة مع جامعات رائدة عالميا في تصميم المقررات الالكترونية والمراجعة الدورية لمحتوياتها. - وضع معايير فنية داخلية في تصمم المقررات الدراسية الالكترونية مستمدة من المعايير الدولية مثل: (National Standards for Online Course Quality-NACOL- ؛ Quality Matters –QM-، وغيرها) - الاستفادة من المقارنات المرجعية مع الجامعات الرائدة عالميا. - إعداد الخطط الدراسية وتوصيف المقررات وفق نماذج الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي (NCAAA). تنفيذ وتقييم البرامج الدراسية: تبنت الجامعة السعودية الالكترونية نمط التعليم الالكتروني المدمج وحرصت في تقديم البرامج والمقررات الدراسية على النحوالذي يضمن تحقيق المستوى المأمول من الجودة. لذلك فقد تبنت وكالة الجامعة العديد من الضوابط في عملية التعليم والتعلم التي تمثل جزءاً من منظومة الجودة بالجامعة والتي نذكر في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر مايلي: - تبني المخرجات التعليمية كمرشد رئيس في عمليات التدريس والتقييم. - تنويع استراتيجيات التعليم والتقييم. - جعل الطالب محور العملية التعليمية. - تقديم التغذية الراجعة للطالب في الوقت المناسب. - استخدام أحدث تكنولوجيات التعليم الالكتروني كمنصة تعليمية لتقديم المقررات الدراسية. - التقييم المستمر للتغذية الراجعة من الطلاب سواء في شكل لقاءات دورية تعقدها الإدارة العليا للجامعة أو بمتابعة تعليقاتم وآرائهم وانشاغالاتهم التي تطرح عبر البريد ووسائل التواصل المختلفة كالبريد الالكتروني الجامعي أو عبر منتديات الجامعة أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، أو في شكل استبيانات دورية توزع على الطلاب. - الاستفادة من تكنولوجيا التعليم المتاحة في توثيق ممارسات الجودة (رصد التواصل والتفاعل بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب، تقييم مدى التزام أعضاء هيئة التدريس بالجدول الزمني وتنفيذ مختلف عناصر المقرر، تقييم مدى الالتزام بجعل الطالب المحور الأساس للعملية التعليمية من خلال نوع وحجم التكليفات التي تسند اليه أسبوعيا دوريا...). - المراجعة الدورية للمحتوى الالكتروني للمقررات علمياً وفنياً من الكليات والأقسام العلمية وفنياً من قبل عمادة تقنية المعلومات بالجامعة وشركائها الاستراتيجيين الخارجيين وذلك من خلال اتفاقيات تقييم المقررات الالكترونية مع جهات دولية مختصة. - السعي لاستقطاب الكفاءات من أعضاء هيئة التدريس داخلياً وخارجياً وضرورة مراعاة التوافق بين مؤهلاتهم والأعباء الأكاديمية التي يكلفون بها. - النشر الواسع لمحتويات الخطط الدراسية وشروط القبول على مختلف البرامج عبر استخدام وسائل نشر متنوعة (الموقع، بروشورات، رسائل الكترونية...). - اعداد التقارير الدورية التي تقيم سيرورة العملية التعليمية بالجامعة. وتواصل الوكالة جهودها مع مختلف الجهات الأخرى بالجامعة لاستكمال بناء منظومة الجودة التي تحقق عملياً مفهوم الجودة الشاملة بالجامعة على أن تشرع عملياً في إجراءات التقدم للحصول على الاعتماد الأكاديمي بشقيه المؤسسي والبرامجي بمجرد استكمال شرط تخريج الدفعة الأولى في كل برنامج وتوفر التغذية الراجعة من سوق العمل عن مخرجات الجامعة.