التّسامح قيمة عظيمة، وأحد المبادئ الإنسانية، التي حولها الإسلام إلى واقع يتعامل به المسلم في حياته اليومية العملية، بنسيان الماضي المؤلم بكامل إرادته، والتنازل عن حقه فيما يلحقه من الآخرين من إيذاء، تنازل نابع من قوة إيمان، ورغبة صادقة في طيب العيش والمقام في الآخرة، فهمته عالية، وهدفه شامخ راقي، وهو الجنة.
التسامح ليس تنازل عن الحقوق بالذل والمهانة، بل هو نابع من صفاء القلوب، وما غلب عليها من الحب والعطف والرحمة والتعاطف والحنان.
التسامح ليس تنازل من ضعف أو خوف وقلة حيلة؛ بل هو صادر عن قوة إرادة وعزيمة صادقة في الانتصار على النفس والذات بكل إيجابية، بعيدًا عن السلبيات وما يصاحبها من الغضب والقسوة والعدوانية للغير.
التسامح هو التماس العذر للمخطئ، والبحث عن أسباب هذا الخطأ وإعانته على تصحيح المسار والنهوض من كبوته لما فيه خير له ولمجتمعه وأمته.
التسامح لغة السعادة، وطوق النجاة من الغرق في طوفان المشاكل والأحقاد والعداوات.
التسامح صفة العظماء والأقوياء الذين يتملكون مشاعرهم ويضبطون أنفسهم في المواقف الصعبة التي تستوجب التحلي بالصبر والحكمة والتسامح، لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وفي الاتجاه المناسب.
التسامح يعني العفو عند المقدرة شكرًا لله على هذا التمكين، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه).
التّسامح يعني عدم ردّ الإساءة بالإساءة، يقول إبراهيم الفقي: (إن الذات السلبية في الإنسان هي التي تغضب وتأخذ بالثأر وتعاقب بينما الطبيعة الحقيقية للإنسان هي النقاء وسماحة النفس والصفاء والتسامح مع الآخرين).
فالنفس النقية الصافية هي النفس التي تترفع عن صغائر الأمور وتسمو بها إلى المعالي، ولا يتأتى لها ذلك إلا عندما تكون متسامحة.
التسامح خُلق الرسل والأنبياء عليهم الصلاة و السلام والمصلحين في الأمم على مر التاريخ، لأن التسامح بوابة لتحقيق ما أرسلوا به وما يدعون إليه، ولما له من دور فاعل في تحقيق الهدف المنشود، وتماسك المجتمعات والشعوب، واصطفافهم في وجه الشر والفساد، ونبذ الفرقة والخلافات والصراعات بين جميع أفراد المجتمع، لما يفضي إليه من روح الإخاء والعدل والتراحم بين الناس.
التسامح بالأصل هو من أجل الفرد نفسه، وليس من أجل غيره، فمتى كان متسامحًا، عاش بسعادة وراحة بال، وابتعد عن مواطن الزلل والخلافات والنزاعات، التي تدخله في دوامة الأخطاء والمصادمات وما هو أبعد من ذلك من ولوج عالم الجريمة وطريق المهالك.
التسامح ليس ضعفًا ولا انكسارًا ولا هزيمة، بل هو قوة ومروءة وسعادة؛ لا يعرفها إلا المتسامحين، يقول/ أحمد شوقي:
تسامحُ النفس معنىً من مروءتها
بل المروءةُ في أسمى معانيها
تخلقِ الصفحَ تسعدْ في الحياةِ به
فالنفسُ يسِعدُها خلقٌ ويشقيها
فالمتسامح يعيش حياة مختلفة عن غير المتسامحين، فهو في راحة وسعادة وطمأنينة، يستمتع في كل لحظات حياته، دون ملل أو ضجر، سعيد في علاقاته، سعيد في وقته، سعيد في بيته سعيد في أسرته، سعيد في مجتمعه، سعيد في عبادته، سعيد في طريقه الذي يسير عليه وهو طريق التسامح الذي أوصله للمحبة والرضى والسعادة وصفاء القلب وطيب النفس وحسن العلاقات مع الجميع.
النفوس المتسامحة، هي تلك النفوس التي صدقت مع الله، ثم مع ذاتها، ومن ثم مع الجميع، فالصدق هو أول خطوات التسامح.
في التسامح حل لكثير من مشكلاتنا إن لم يكن لها جميعها، فلنربي أنفسنا على التسامح، ونجعله مبدأ لنا.