أ. ممدوح سليمان الذويخ نهى الإسلام عن الفجور في الخصومة، ويعد الفجور في الخصومة من أبشع الصور التي تلطخ الإنسانية.
وفي الإسلام تعد خصله من خصال النفاق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ "
قال الحافظ ابن حجر الفجور هو : الميل عن الحق والاحتيال في رده. والمراد أنه إذا خاصم أحداً فعل كل السبل غير المشروعة، واحتال فيها حتى يأخذ الحق من خصمه، وهو بذلك مائل عن الصراط المستقيم.
ومن السلبيات التي تتركها أثر الخصومة هي اغلاق خط العودة، والانسان العاقل المبصر لابد له من أن يترك خط سير يعود اليه في الصلح ولكن المبالغة في الخصومة تغلق كل السبل للعودة كما كان الوضع عليه، وأن عاد لن يعد كسابق عهده, ومن الناس من يزين لك الباطل ويدفع بيدك للفجور بخصمك لكن احذر ان تنساق الى ما يأمرك به إنه ليس شيطان أخرس فحسب بل هو شيطان يثير الفتن ولابد أن نستشهد في آية من القرآن الكريم تبين لنا حال هؤلاء قال تعالى :{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}
قد نسمع من هؤلاء كلاما معسولاً ولكن لا بالحديث العبرة بل بما يُطبّق ولذلك حين تقع في مشكلة تعلم من هو مخلص لك ويكابد لانتشالك ومن يتولى عنك, ويجب البعد كل البعد الخصومة حتى وإن كنت مُحقاً لما يترتب عليه من تفكك اجتماعي. وفي الأثر أنه إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليقم أهل الفضل، فيقوم اُناس من الناس فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنّة، فتتلقّاهم الملائكة فيقولون لهم إلى أين؟ فيقولون لهم إلى الجنة، قالوا: قبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: ومَن أنتم؟ قالوا: نحن أهل الفضل، قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنّا إذا جهل علينا حلمنا وإذ أُسيء إلينا غفرنا، قالوا: ادخلوا الجنّة.
ويجب على كل مسلم العفو والتسامح وأن لا يجعل الخصومة سلاح يُستخدم لمعاداة الناس وخصوصا المسلمين لأنه عمل يُفرح العدو ويسوء الصديق, لما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها، وتودد فيها أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تاركه لشيء أبدا حتى يهلك دونه، فقال :
ولمـا رأيت القــــوم لا ود فيـهمُ * وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوة والأذى * وقد طاوعوا أمر العدو المـزايل
وقد حالفـوا قـومـا علـينـا أظنّــة * يعضون غيـظا خلفنـا بالأنـامــل
وأشدُّ هذه الخصومات هي الخصومة في الدين.
وكان السَّلَف الكرام أشد تحذيرًا منها، وأكثر ابتعادًا عنها، يقول معن بن عيسى رحمه الله: "انصرف مالك بن أنس يومًا من المسجد، وهو متَّكئ على يدي؛ فلحقه رجلٌ يُقال له: أبو الجويرية، كان يُتَّهم بالإرجاء، فقال: يا أبا عبدالله، اسمع منِّي شيئًا أكلِّمك به وأحاجك، وأُخبرك برأيي، قال الإمام مالك: فإن غلبتَني؟ قال أبو الجويرية: إن غلبتُك اتَّبعتني، قال الإمام مالك: فإن جاء رجلٌ آخر، فكلَّمنا فغلبنا؟ قال أبو الجويرية: نتَّبعه، قال الإمام مالك رحمه الله: يا عبدالله، بعث الله عز وجل محمدًا صلى الله عليه وسلم بدينٍ واحد، وأراك تتنقل من دينٍ إلى دين"، قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "مَن جعل دينَه غرضًا للخصومات، أكثر التَّنقُّل"؛ (الشريعة: 1/ 189).
وعن الحسن رحمه الله أن رجلاً أتاه فقال: "يا أبا سعيد، إنِّي أريد أن أخاصِمك، فقال الحسن: إليك عنِّي؛ فإنِّي قد عرفتُ دِيني، وإنَّما يخاصمك الشاكُّ في دينه".
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أبغض الرِّجال إلى الله الأَلَدُّ الخَصِمُ ,وأقل ما يفوته في الخصومة طيبُ الكلام، قال تعالى:{ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} ﴾.
والكلام اللين يغسل الضغائن المستكنة في الجوارح؛ قال بعض الحكماء: "كلُّ كلام لا يُسخِط ربَّك إلاَّ أنك تُرضِي به جليسَك، فلا تكن به عليه بخيلاً؛ فإنَّه لعله يعوِّضك منه ثواب المحسنين , ومع قلة الايمان والوازع الديني ينجح الشيطان في تنفيذ مهامّه بنجاح في تأجيج الخصومة والبغضاء بين الناس فقد أخرج الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الشيطان قد أيس أن يعبده المُصلُّون في جَزيرة العرَب؛ ولكن في التَّحريش بينهم)، ". فالشيطان يحرِّش بين المصلِّين بالخصومات والشَّحناء والحروب، والإغراءات بينهم بأنواعِ المعاصي والفِتَن وغيرها.
وقد قال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الإسراء: 53]، فالشيطان ينزغ بين النَّاس بالكلمة الخَشنة تفلت، وبالقول السيئ يَتبعها، فليُحسن أحدنا اختيارَ الأحسن من الكلام مع النَّاس؛ حتى لا يدع للشيطان عليه سبيلاً.
وفي الختام اسأل الله أن يُؤلف بين قلوبنا وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.