نسمع كثيرًا: "اغتنم الفرصة قبل فواتها" وقولهم: "لا تفوتك الفرصة" وغيرها من العبارات التي توحي بفوات الخير، بفوات الفرصة السانحة أمامك.
وهذا بالطبع غير صحيح، فالفرص متجددة، ولا تنتهي ولا تُحصى، إن لم تدرك هذه الفرصة، فالفرص القادمة – بإذن الله – أفضل، وكن على يقين، بأن ما فاتك لم يكتب لك، ولكل شيء سبب، ولعل فيما فات من فرص الدنيا خير لك.
وكثيرًا ما نعتقد أن الفرص هي فرص دنيوية؛ كوظيفة، أو ترقية، أو كسب مال، أو جاه، أو تجارة، أو نحوها، بينما الفرص متعديه إلى أبعد من ذلك، وأعظمها الفرص الأخروية، كفعل الطاعات، وعمل الخير للناس، وخدمة الدين، ونشر الإسلام والدعوة إليه، وتقديم النصيحة والتوجيه والتربية لمن يحتاجها، وغيرها من الأعمال التي يتقرب بها المرء إلى الله – سبحانه وتعالى – وكذا الصبر والاحتساب لله – عز وجل – وهذا حسب قدرة المرء وطاقته وعلمه ومكانته.
الفرص ممتدة وقائمة مدى الحياة، ليس لها توقيت أو عمر معين، وقد حث رسولنا – صلَّى الله عليه وسلم – على اغتنام الفرص التي يعود نفعها على الفرد والأمة والمعمورة بأسرها، بقوله: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها) لما في ذلك من خير له.
لا شك أن اغتنام الفرص والمبادرة إليها، يجعل مغتنمها متقدمًا على غيره، فاغتنام الشباب قبل الكبر، والصحة قبل المرض، والحياة قبل الممات، فمن مات انقطع عمله، ومن مرض عجز عن القيام بالأعمال والطاعات، التي يتقرب بها إلى الله، ويقدمها رصيدًا له بالأخرة.
لا تحزن على فوات فرص ليس فيها ندامة بعد الممات؛ فالفرص التي تحق فيها الندامة، هي الفرص التي يحزن عليها المرء، ويجب أن تستغل لا ما دونها من فرص متاع الدنيا الزائفة.
ومن أعظم الفرص، فرصة المسارعة بالتوبة والعودة إلى الله – جل وعز – للفوز بالجنة (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)، واستغلال المواسم الفاضلة التي هي فرص متجددة للمتسابقين للخيرات، ومثلها الأماكن الفاضلة، كالمكث في المساجد فهي بيوت الله وعمارتها بالذكر والنوافل.
أصحاب الهمم العالية يصنعون الفرص ولا ينتظرون وفودها عليهم، لنفع أنفسهم ومن حولهم ومجتمعهم، بأعمال آنية وأخرى ممتدة إلى ما بعد الوفاة، كإيجاد الأوقاف متنوعة المصارف، ليستفاد منها إلى قيام الساعة.
ومن دونهم الغافلين و– المسوفين – فهؤلاء يضيعون الفرص من بين أيديهم، بغفلتهم وتسويفهم وترددهم وتكاسلهم وضعف همتهم ونفوسهم أمام شهواتهم الدنيوية.
جعلني الله وإياكم من أصحاب الهمم العالية، المبادرين لصناعة الفرص العظيمة، لخدمة ديننا وأمتنا ووطننا، وجعلنا مباركين مسددين لكل خير.