أ. إسماعيل جمعان عجارم
الفساد ظاهرة قديمة، وطبيعة إنسانية ترتبط بالنفس البشرية وتلازمه على مدى التاريخ وفي كافة الحضارات، فمنذ أن خلق الله الإنسان وأودعه في الأرض، عُرف الفساد بأنواعه وأساليبه المختلفة؛ يهدف من خلاله المفسدون لتحقيق أهداف فئوية وفردية ضيقة، تخدم مصالح أشخاص أو جماعات محددة، دون الالتفات للمصلحة العامة، فتأثر في سير العملية التنموية والتطويرية في البلد، وتضعف جودة العمل، وتقلل من الكفاءة الانتاجية، كما يمكن أن تنعكس بالسلب على المشاريع الاقتصادية أو الاجتماعية، فتظهر بالمظهر الناقص بالرغم من دعمها بمبالغ ضخمة. وتختلف أشكال الفساد باختلاف المجتمعات وأنظمتها فمنها الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري ..، ويعد الفساد آفة خطيرة وظاهرة غير مرغوب بها، تقود إلى انهيار الدول والمجتمعات إذا ما ترك بدون رقابة ومحاسبة. ويعرف الفساد في معجم المعاني الجامع لغة بـ (التلف والعطب) ويعرف كذلك بـ (إلحاق الضرر)، وقال تعالى في سورة المائدة:{ويسعونَ في الأرضِ فساداً}. ويمكن تعريف الفساد كما ورد في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد: بـأنه كل سلوك انتهك أياً من القواعد والضوابط التي يفرضها النظام، أو هو: كل سلوك يهدد المصلحة العامة، ويعرف أيضا بأي إساءة لاستخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، أما في الشريعة الإسلامية فيعرف: بأنه كل ما هو ضد الصلاح، وقد قال الله تعالى في سورة الأعراف: { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها }، وقال جل جلاله في سورة النمل: { وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون}. يعد الفساد العدو الأول للتطور والتنمية في أي بلد، وتعاني الكثير من دول العالم من تبعاته، فهو يتواجد بصور مختلفة ومتباينة في جميع النظم السياسية، فالفساد ظاهرة دولية، وعامل قلق للمجتمع الدولي، ولهذا تعاونت دول العالم على مكافحته بكافة أشكاله، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، فاعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ختام أكتوبر 2003 \"اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد\" التي دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 2005، واختير يوم 9 ديسمبر سنوياً كيوم عالمي لمكافحة الفساد، من أجل إذكاء الوعي عن مشكلة الفساد وعن دور الاتفاقية في مكافحته ومنعه من الانتشار. واليوم، ونحن نستشرف مرحلة جديدة من مراحل تطور الإدارة في هذا البلد, خصوصا في مجال الرقابة، تحت ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – نرى المملكة ولله الحمد تسير على خطى واثقة نحو الريادة في كافة المجالات، فتطورت الرقابة الإدارية تطوراً نوعياً، نتج عنه ارتفاعاً في الانتاجية العامة بالمملكة، ومتابعة دقيقة لكل ما يحدث داخل المؤسسات الحكومية والشركات التجارية. ولم يكن اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وحرصه الشديد على حماية النزاهة، وتعزيز مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد المالي والإداري في المملكة، وليد لحظة عابرة؛ بل كان وفق رؤية فكرية ثاقبة، وحرص شديد على تطبيق شرع الله الذي حث على محاربة الفساد، وإيجاد الضمانات، وتهيئة الأسباب لمحاصرته، وتطهير المجتمع من آثاره الخطيرة، وتبعاته الوخيمة على الدولة في مؤسساتها وأفرادها ومستقبل أجيالها، وكما ورد في الاستراتيجية: الدين الإسلامي الحنيف – عقيدة وشريعة ومنهج حياة - هو الركيزة الأساسية التي قامت عليها الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، منطلقات وأهدافا ووسائل وآليات، وتعد كل عمل من شأنه الانحراف بالوظيفة العامة والخاصة عن مسارها الشرعي والنظامي الذي وجدت لخدمته فساداً وجريمة تستوجب العقاب في الدنيا والآخرة. وتحقيقا لمصلحة الموطنين، وحماية للمال العام، وتبنيا لمفهوم الإصلاح الشامل، واستشعاراً بأهمية الحفاظ على أمن الوطن وحماية أموال وأنفس المواطنين، وانطلاقاً من قول الله تعالى: {ولا تبغ في الأرض إن الله لا يحب المفسدين}، وافق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله-على انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وربطها – أيده الله – بنفسه الكريمة، ومنحها الاستقلال الإداري والمالي الذي يساعدها على القيام بمهامها على أكمل وجه، وحمايتها من التدخل في اختصاصها وصلاحياتها. ويبقى الدور أخيرا على الجميع من مواطنين ومسؤولين وجهات حكومية وتجارية وخدماتية، التعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد \"نزاهة\" ومساندتها؛ للقيام بأعمالها على أكمل وجه، حيث أكد معالي رئيس الهيئة الأستاذ محمد بن عبدالله الشريف في تصريح صحفي له بأن الجهود الفردية مهما كانت ستظل غير قادرة على محاصرة الفساد وتجفيف منابعه.