عبد الله حسن جابر زبيد
اسمحوا لي أن أبدأ مقالتي بهذا السؤال: ما الذي أثار شهوتي الكتابية للكتابة عن هذا الموضوع؟ في حقيقة الأمر، أنني كنت أقرأ كتاب العلامة الكبير عبد الرزاق السنهوري (الوسيط في القانون المدني) وبالتحديد في المبحث الخاص بحقوق الملكية، قسم الحقوق الملكية الغير مادية. في أثناء قراءتي لهذا الكتاب، استوقفتني عبارة عميقة جدا، أرى بأنها فلسفية، وهي: "جزاء المجهود ليس حتما هو الملكية، بل إن جزاءه الأجر" هل استشعرت مدى العمق الفلسفي لهذه العبارة؟
إن السنهوري بمقولته تلك كان يقصد الإنتاج الفكر الذي يتمخض عن العقل. كل ما ينتجه العقل، متى ما بلغ العقول وبالتالي استفادت منه، فإن النتيجة التي يجب أن ينتهي عندها ذلك الإنتاج الذهني والفكري هو الأجر لا التملك. وأنا إلى حد بعيد، أتفق مع الدكتور السنهوري فيما أدلى به في هذا الشأن، ذلك أن المحرك الأول للعقل هو السؤال ومحرك السؤال هو الروح، والأجدر بكل ما يكون دافعه الروح بأن يكون أجرا لا تملكا. لماذا أكتب هذا الكلام...!؟
لنسأل أنفسنا سؤالا: ما الغاية الحقيقية التي تدفع الروح البشرية أن تسأل، ملقية هذه المهمة العظيمة والشاقة على كاهل العقل؟ أوليس من ذلك تغير شكل الحياة بشكل عام؟ أوليس ما يًثير شهوة العقل هو البحث عن حقيقة أمر ما من خلال الاكتشاف أو الاختراع؟ تخيلوا شكل الحياة بلا اختراعات ولا ابتكارات أدبية كانت أو صناعية؟ ما حال الإنسان لو لم يًلقي بعقله على هذه الابتكارات والاختراعات ليتفكر بها؟
من هنا وبهذا تولد في نفوس العقلاء أهمية حماية الحقوق الفكرية. إن العقل الذي تبرع بوقته وماله ونفسه في سبيل إسعاد الأخرين والعمل الدؤوب على تطوير الحياة والعالم، لجدير بالحماية وأكثر من ذلك.
هناك بلا شك أبعاد أخرى لحماية الحقوق الفكرية، مثل أبعاد اقتصادية واجتماعية وقانونية، إلا أن هذه الأبعاد ليست هي موضوعي هنا. موضوعي هنا هو البعد الفلسفي فقط.
أصل لنهاية في مقالتي هذه، بأن أصل كل الحقوق هو غير مادي سواء كانت مادية أو غير مادية. الحق بحد ذاته غير مادي لا يمكن تصوره إلا في الأذهان، وبعد تصوره في الذهن، يتم اسقاطه على وقائع مختلفة في الحياة. فإذا لم يكن لنا أن نحمي ما هو أصل كل الحقوق، فكيف لنا أن نحمي باقي الحقوق الأخرى؟ وإن كل فكرة غايتها إعمار الأرض وتطوير الحياة هي أجر، إن لم يحميه قانون، فسوف يحميه الرحمن الرحيم رب العالمين.