أ.سليمان بن صالح المطرودي
قاعدة: (الحكم على الشيء فرع عن تصوره).
ومنها نستفيد أن الحكم على أي شيء (قول أو فعل أو تصرف) لا يكون إلا من تصور وفهم واستيعاب حال أمر بجلاء وتثبت، جالب للاطمئنان والاستقرار، ومعرفة القصد، وإدراك معاني الألفاظ والعبارات والمعاني والصياغات والمدلولات، والطبائع والوقائع والمواقع، قبل إصدار الحكم فيه أو عليه، حتى لا نقع في شرك الحكم الخطأ، سواءً كان الحكم على أشخاص، أو أفعال وتصرفات، أو قرارات، أو أماكن أو صناعات، أو غيرها. للأسف نرى من الناس من يحكم من خلال ما يسمعه، دون تثبت أو تحقق، فصاروا بدون بصر ولا بصيرة في أحكامهم، من جراء الحكم بالأذن؛ دون البصر والعقل، والشواهد والقرائن، التي تقوي الحكم أو تنفيه. فالعلم والمعرفة والخبرة والمهارة بالأمر المراد الحكم عليه مطلب، يجعل من الحكم ذا مصداقية، يُخرج الحاكم من الوهم والجهل، والوقوع فريسة لأهل الأهواء والمفاسد والوقيعة، وأصحاب المصالح الشخصية، ممن يسعون بإلحاق الضرر بالمراد الحكم عليه، لتحقيق أهداف ومطامع خاصة. وإن كان الحكم سلبًا؛ فهو غير قطعي، إذ أن هناك وجه أخر لم نره، لربما كان إيجابيًا، فهذا القمر لا نرى منه إلا جانب واحد، والجانب الأخر مختلف عما نراه، ومتى أدركنا أن لكل شيء جانبان أحدهما مختلف عن الآخر، كان لزامًا علينا، ألا نصدر الأحكام على الكل، بل على واقع الحالة والجانب الذي نتثبت منه، حتى تكون أحكامنا عادلة بشأن كل ما نحكم عليه. من السوء أن نتأثر بأحكام الغير بمجرد السماع، وإن ظهر لنا غير ذلك، والأسوأ أن نعمم تلك الأحكام، فنسد كل شيء جميل قد نراه، بل ونمنع غيرنا من اكتشاف الحقيقة والوجه الأخر، الذي قد يكون جميلاً، بتعميمنا وحكمنا المسبق، دون إدراك لعواقب تلك الأحكام، حتى لو كانت تلك الأحكام المسبقة إيجابية، لأننا نرفع سقف الأحكام على الكل لا الجزء الذي تبين واتضح لنا. فعلى سبيل المثال: الحكم على موظف بأنه متميز ومبدع، دون تحديد جانب التميز والإبداع، نقضي عليه ونحكم عليه بالفشل عندما يتعامل معه آخرون في جوانب هو غير متميز ولا مبدع فيها. أو أن نحكم عليه بالفشل دون تحديد الجوانب التي يحتاج فيها إلى التطوير والتحسين، فنحكم عليه بالفشل مطلقًا ونقضي عليه، رغم أن لديه جوانب هو مبدع فيها ويتميز لحد الإبهار، ولكن حكمنا الشامل جعله فاشلاً مطلقًا بعيون الآخرين، وبالتالي عدم الاستفادة منه في الجوانب التي هو مبدع ومتميز ومتفرد فيها. علينا أن ندرك أن ليس هناك شيء كامل، وأن هناك وجه أخر مختلف، حتى نصدر الأحكام العادلة، وألا نعمم في الأحكام؛ بل يجب أن نتخلص من آفة التعميم، وأن نحكم بالجانب الذي أدركناه دون تجاوز، ودون الحكم على الجوانب الأخرى التي لم ندركها، ولنجعل للغير فرصة التجربة وإصدار الأحكام من خلال تجاربهم، ونمنح للناس حياتهم الخاصة ولتجاربهم فرصة أخرى لتجربة جديدة، قد تكون إيجابية ومشرقة، تدعو للأمل والتفاؤل.