أ.سليمان بن صالح المطرودي
في الذكرى الرابعة والثمانون لليوم الوطني لبلادنا المملكة العربية السعودية، الوطن الذي نشرف بالعيش فيه والانتماء إليه، ونفاخر بحبه والذود عنه، نتذكر قبل البوح عنه وله ما هو الوطن وما هي المواطنة ؟ الوطن والمواطنة ليست شعارات براقة، وكلمات رنانة؛ بل هي أفعال صادقة تكون على أرض الواقع في كل أمر من شأنه رفعة الوطن وعزه. كثيرًا ما نكتب ونقرأ ونسمع عن حب الوطن والمواطنة، ولكن عندما نمعن النظر فيها نجد أن هناك بون شاسع وفرقًا كبيرًا بينها وبين الأفعال العملية المحسوسة على أرض الواقع من البعض. إذ نجد فيها الكثير من النفاق والتزلف الذي يحجب الحقيقة، ويعمي البصر والبصيرة، ويقتل الرؤية الإستراتيجية الوطنية الصحيحة، التي فيها تأسيس حاضر لمستقبل مشرق، وصمام أمان للعيش بأمن وأمان واستقرار. وما نقرأه ونسمعه من تصاريح وطنية شامخة في اليوم الوطني، ومنشتات ضخمة تبرزها الصحف المحلية عن الوطن والمواطنة من ذاك المسؤول وذاك المواطن وذاك الصعلوك، نجد أن الكثير منهم وكأنهم يتبارزون في قوة العبارات الوطنية الرنانة – إلا من رحم الله – وفي واقع بعضهم لا نجد شيئًا مما يرددون من عبارات، فأعمالهم تخالف أقوالهم – خاصة بعض المسؤولين والقياديين منهم في مختلف الأجهزة الحكومية – وبينهما فجوة هي كما بين المشرق والمغرب؛ بل أن منهم من أفعالهم تشعرك أنه عدو لدود للوطن لسوء أفعاله من فساد إداري ومالي، وحب ذاته والعمل لحسابه الخاص على حساب الوطن الذي يدندن على وتره الوطني ليل نهار، وكأن الوطنية شعارات وعبارات لا أكثر من ذلك بالنسبة له!!. الوطنية أفعال قبل الأقوال. الوطنية تضحية للذات الوطنية قبل البحث عن الذات الشخصية. الوطنية عرض لا يمكن السماح بالمساس بها والتعرض لها. الوطنية كرامة لا يمكن التنازل عنها. الوطنية بصمات فاعلة لا شعارات زائفة. نعيش اليوم في عين عاصفة الأحداث الدامية من حولنا، فتن وحروب وثورات ونزاعات وقتل وخوف وجوع وتشريد، وهناك من يصرح بشطحات غير مبررة؛ وكأنه ينفخ في فتيل ما حل بغيرنا ليحل بنا، وكأنه لا يسمع ولا يرى، بل هو متغطرس لا يدرك حقيقة الأمر والخطر المدلهم بالأمة. وهناك من يستغل الأحدث ويسعى لتأكيد التحولات التي تشبع غريزته البهيمية من إنكار المبادئ والمكارم والأخلاق والتقاليد والأعراف والعادات الوطنية التي تربى عليها الشعب السعودي من فجر بزوغ الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا. وهناك من يزيدها في التغاضي عن معاناة أفراد المجتمع الذين اجتمعت عليهم الهموم والديون والأمراض والبطالة والفقر التي في مجموعها أو في آحادها تكون قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، إن لم يتم تداركها والعمل على إيجاد الحلول الناجعة والناجزة لها؛ لا دحرجتها في كرة الروتين واللجان والقرارات الغير النافذة التي تصنع من المشكلة مشاكل متعددة!!. الفساد اليوم استشرى في كل أنواعه وفي كل الأروقة الإدارية والمالية؛ بل حتى في القضاء، هذا الفساد الذي هو مهدد رئيس للأمة إن لم تكن هناك قوة مجتمعية ضاربة تقف أمامه بكل حزم حتى لا ينهار بنيان الأمة ويدمر كيانها. إن النفاق والتزلف الذي يردده الكثير في هذا اليوم، ما هو إلا حجاب شر يستر الحقيقة عن ولي الأمر ويكمم أفواه الناصحين الصادقين الذين لا تصل أصواتهم بعلو تلك الأصوات الكاذبة التي شوهت صورة المجتمع، وقسمته تحت مسميات وتحزبات وهمية لا حقيقة لها، حتى صارت تلك التحزبات والألقاب والتصنيفات شماعة لكتم صوت الحق وشماعة لتعليق الإخفاقات عليها وتمرير ما تصبوا نفوسهم المريضة لتمريره من باطل ورأي مخالف وفكر فاسد واجتهاد خاطئ؛ حتى جعلوا من قضايا الأمة الرئيسة قضايا هامشية لا ينبغي الإنشغال بها عن ما يرونه حقًا من قضايا شاذة وأفكار ساقطة لتكون هي قضايا الأمة التي يجب الإسراع بإقرارها، وتعليق قضايا الأمة الحقيقية على شماعة القضايا الهامشية!!. حتى فقدنا اليوم رسالتنا الحقيقية في الحياة، وما كنا نتحمل من مسؤوليات إسلامية وعربية وإقليمية ودولية؛ بل وفقدنا الكثير من الحقوق والواجبات الوطنية التي كان يجب أن نضطلع بها وتكون هي رؤيتنا الإستراتيجية لمستقبل حياتنا وحياة أحفادنا. النفاق والتزلف قتل كل شيء، وأخمد كل قنديل، ودمر كل جميل، وسحق كل وردة تفوح بالأمل، ولن نخرج من بوتقة هذا لنفاق والتزلف إلا بالقضاء عليه، قبل أن نكون لقمة سائغة لما يدور حولنا من أخطار وتحديات تكون دوامة عاصفة مهلكة نحن عينها، إن لم نتدارك خطرها ونعمل على تشتيتها وتفريقها باجتماع الكلمة الصادقة الناصحة، وبيان المشكلات التي نعاني منها ونعمل كفريق واحد لحلها بعد الاضطلاع بمسؤولياتنا وواجباتنا الوطنية الحقيقية التي تجعل من الأمر واقعًا لا أبواقًا فارغة مضللة. باختصار ... اليوم الوطني يجب أن يكون يوم مصارحة لاحتياجات الوطن، ومكاشفة للأخطاء الواقعة، ومراجعة للخطط والبرامج المعتمدة والمنفذة، ومحاسبة لكل مقصر ومتهاون في تحقيق رؤية الوطن الاستراتيجية!!. حفظ الله علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وحفظ بلادنا من كل مكروه ومن كيد الكائدين، وحفظ عليها أمنها واستقرارها وكتب لها العيش الرغيد في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهد الأمين وسمو النائب الثاني – حفظهم الله ووفقهم لكل خير – وخلصنا من المنافقين المتزلفين الجاهلين.