د. عبدالله بن سافر الغامدي
ينظر الناس إلى كرسي المسؤولية والمنصب الرفيع؛ بشغف عظيم، واهتمام كبير، وذلك لما له من قوة وقيمة، وسحر وجاذبية، وخصائص عدة، ومزايا عديدة. فيعزفون للجالس عليه أوتار التملق والتطبيل، ويقدمون للقابع فيه قرابين التزلف والتبجيل، حتى ينالوا رضاه، ويصلون به إلى منالهم، ويحققون من خلاله مبتغاهم. وهو حلم عظيم، وأمل كبير يتمناه البعض منا، فنتصارع من أجله، ونتقاتل في سبيل الحصول عليه، ولو قدمنا من أجل ذلك النفس والنفيس، والعزة والكرامة، وإن كنا لا نملك المواصفات، ولا تنطبق علينا الاشتراطات. لكن ذلك الكرسي الناعم الوثير؛ سيدور كما الأرض تدور، والزمان يدور، فقد يصل إليه من لا يمتلك القدرات، ولا يحمل المؤهلات، فيظفر به المتملق والمنافق، وصاحب الهدايا والولائم، ومن يجيد الخداع والتمثيل، ومن يتبادل مع صانعه المصالح والمنافع. فإن قبض المسؤول اللئيم على أذني الكرسي، وأحكم إمساكه لأطرافه ؛ فإن الأحوال لديه تتبدل، والأفعال منه تتغير، أنفة وغرور، سيطرة وتسلط، وأبواب مؤصدة، وخطط ملفقة، وأعمال رتيبة، ونحر للنصيحة، وإلغاء للمشورة. وهو الذي كان قبل احتلاله للكرسي؛ طيب الفعال، رفيع الخصال، عفيف اللّسان، وطاهر اليدين، فلما وصل إلى الكرسي؛ ظن أنه ملك الكون، ومسك زمام النفوس، واستقر في خلايا العقول. إن لكرسي الرئاسة هيبة وحصانة، وعظمة ومكانة، والذي يظفر بالجلوس عليه؛ سيُمجد مقامه، ويُشاد بسلطانه، وجودة بيانه، وسمو خصاله، حتى إن المتجمهرين حوله يحبون ما يحب، ويكرهون ما يكره، بل وإن تكلم كاذبا، قالوا صدقت وما نطقت محالا. وما علم صاحبنا المغفل؛ أن الكرسي اللامع المزركش سيزول بريقه، وينتهي لمعانه، فما بين طرفة عين وانتباهتها، يغير الله من حال إلى حال. أطاحت الرياح العاتية بهامات كانت قبله، وقامات كانت أقوى منه، وإنما هي الدنيا غرّارة غدّارة خداعة، وهي الحياة فلا تدوم، وتقلبها من حال إلى حال صفة الوجود. فإما أن يقوم الرئيس بتأدية مهامه بكل صدق وأمانة، وتفان وتضحية، وإلا سيكون حاله يوم القيامة خزي وندامة، وكل صغيرة وكبيرة عليه محصية ومحاسبة، نسأل الله الستر والسلامة، والعافية وحسن العاقبة. ومن زرع المحبة في عمله، والوداد في موقعه؛ فحصاده ولاشك المحبة والمودة، ومن زرع الشوك فليس سوى الخسارة والندامة من حصاد. * تنويه: البارانويا Parana : كلمة إغريقية تعني ما ينتاب الفرد من أوهام تلاحقه، لا أرضيّة واقعية لها.