د. عبدالله بن سافر الغامدي
الإشاعة قضية خطيرة، ومعضلة عويصة، موجودة في كل بيئة إنسانية، ومنذ نشء الخليقة، وهي التي يقف خلفها صاحب الشخصية المريضة، والنفسية الخبيثة؛ الذي لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، ولا يرتاح له حال ؛ حتى ينشر بين الناس الخبر الملفق، والكلام المختلق، والفكر الزائف، وبأسلوب فيه مكر وخداع؛ يتضمن رشقاً خطيراً، وتشويقاً مثيراً، يلفت الانتباه نحوه، ويحركه للبث المباشر، والتداول السريع. ويعد صانع الإشاعة وناقلها ومدمنها شخصاً ناقماً، حاقداً، حاسداً؛ تراه يتفانى في خدمة موضوعها، والتعدي على المقصود منها ، فيؤلف من بنات أفكاره؛ حتى يصل إلى مراده، ويحقق من خلالها مبتغاه ومرتجاه، فالهدف الذي يسعى إليه إما تشويش وتشويه، أو شماتة وفضول، أو تضليل وتهويل. ولهذا لا تجد من كل إشاعة مغرضة؛ سوى الضعف والوهن، والفرقة والعداوة؛ حتى وإن كان فيها جزء من حقيقة، فكم هي المعارك التي أشعلتها، وكم هي البيوت التي خربتها، وكم هي الشخصيات التي أقلقتها، وكم دمرت وحطمت، وأفسدت وضيعت، وهي التي لا تزال وسيلة من وسائل القتال والحرب النفسية، والفاعلة في إجهاض الروح المعنوية. فكان الواجب من كل حصيف عاقل ـ نحو أي خبر منشور، أو علم منقول ـ هو التحقق من مصدره، والتثبت من صحته، ثم العمل على وأد أي فرية في مهدها، وإجهاض أي قول ملفق يخوض فيه الخائضون، لأننا إذا أنصتنا للقول الخادع، والكلام الكاذب؛ فإن الإشاعة ستنمو وتزدهر، وتكبر حجمها، وتزداد أضرارها، وفي الحديث الصحيح: ( كفى بالمرء – كذباً أو إثماً – أن يحدث بكل ما سمع). أما الأمر الذي لا يجب أن ننساه؛ هو أننا على منهج يمنع الاغتياب، والطعن في الأعراض، والخوض في الحرمات، فكل كلمة نتلفظ بها؛ سوف نسأل عنها، ونحاسب عليها، ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )، وفي الحديث الشريف: (بئس مطية الفتى زعموا). فيـا طالب العلـيا تنقـى البضاعة وانأى بنفسك عن وكالة يقـولون.