في وداع أبي عبد العزيز أ.سليمان بن صالح المطرودي لم يكن صباح يوم الأربعاء 13 رجب 1440هـ؛ يومًا كغيره من سائر الأيام في الجامعة السعودية الإلكترونية، فقد تفاجأ جميع منسوبي الجامعة برسالة تصلهم من فارس الجامعة الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الموسى، يودعهم فيها، بعد كفاح تجاوز سبع سنوات في تأسيس منارة علم وطنية حديثة، بدأت من الصفر، واليوم هي رقم صعب في ميدان التعليم العالي، وفي نمط التعليم (المدمج). دار الزمان، ومرت الأيام، ليأتي اليوم الذي يترجل فيه الفارس عن جواده بطوعه وبرغبة منه وباختيار، لا شك هو قرار صعب على كافة منسوبي الجامعة، قيادات وإداريين وأعضاء هيئة تدريس وطلاب، وعزاؤنا أنه ترجل وهو بصحة وعافية، ومحبة عارمة من الجميع، محبة صادقة لله خالصة، ودعه الجميع بدموع فراق حارة، لما وجدوه فيه من صدق القول، وحب العمل، وتوجيه صادر من القلب، وتواضع في المعاملة، جبل الكل على تقديره واحترامه. القيادات عند الوداع (ثلاثة) أنواع: نوع يفرح الجميع بترجله. ونوع لا فرق بين بقاءه وترجله. ونوع يحزن الجميع على ترجله؛ وهذا لأنه فارس حاز على القبول من الجميع، لكونه فارس القرار الصائب، والتوجيه السليم، فارس القوة في الحق، والصبر المُحلى بالحلم، فارس الجد في الأداء والعمل، والتحدي الواثق بالفريق الذي معه، فارس الطموح العالي، فارس التعاون وروح الإخاء، والتواضع، فارس في تقديم المصالح العليا على المصالح الشخصية. هذه الجوانب من الفروسية القيادية، تركت الأثر البالغ في نفوس الجميع، والذكريات الجميلة، والمواقف الرائعة التي لا تنسى، ولعلي هنا أذكر مواقف جميلة ومشرفة عايشتها عن قرب، وما يسمح المقام في ذكره، ومنها: في عام 1436هـ؛ أصدر سعادته توجيهًا بإلغاء الدورات التدريبية (الخارجية) لمنسوبي الجامعة (لظروف خاصة) وكنت حينها مكلفًا بالإشراف على تنفيذ هذه الدورات، فتقدمت بمقترح أن يتم تحويل تلك الدورات من (خارجية) إلى (داخلية) بدلاً من إلغائها، وذكرت مبررات ذلك؛ والتي تعود بالمصلحة على الموظفين والموظفات، فما كان منه إلا الموافقة على تحويلها داخليًا والعدول عن الإلغاء النهائي، وقد حضر هذه الدورات نحو (300) موظف وموظفة. وفي عام 1436هـ؛ تقدمت بمقترح حول تنظيم وتفعيل برنامج (المُدرب الداخلي) فما كان منه إلا الموافقة ومباركة البرنامج، والحث على سرعة تنفيذه، وقد استفاد منه أكثر من (ألف) موظف وموظفة، خلال الأعوام 1436 و1437 و1438هـ. وفي عام 1437هـ؛ تقدمت بمقترح (جائزة المتدرب المثالي) لتحفيز الموظفين للنجاح والرفع من إنتاجية العمل، وزرع روح التنافس بين الموظفين المتميزين، لتكون هذه الجائزة كأحد برامج تحفيز الأداء في الجامعة السعودية الإلكترونية، والتي تسعى من خلالها إلى تنمية وتطوير الكوادر البشرية الوطنية المتميزة والمنتجة، كجائزة سنوية، تمنحها الجامعة على مستوى جميع إدارات الجامعة (للموظفين والموظفات) عند توافر عناصر الفوز بها، وتهدف إلى رفع ثقافة التدريب، والاستفادة من الدورات التدريبية بشكل إيجابي يساهم في تطوير الكفاءات الإدارية بالجامعة والارتقاء بهم، فجاءت موافقته مؤيدة بتوجيه خطي، جاء فيه: (مقترح جميل وجيد، لكن أقترح أن يتم الاقتصار على خمسة أشخاص فقط، لكي تكون المنافسة جيدة). وفي عام 1437هـ؛ تقدمت بمقترح تقديم (رسائل ثقافة التدريب) لمنسوبي الجامعة، بواقع (رسالة) كل أسبوع، بمجموع (45) رسالة، فبارك الفكرة ووافق على نشر تلك الرسائل التي تم إرسالها لجميع الموظفين والموظفات من خلال رسائل (sms) وعبر البريد الإلكتروني، كما تم نشرها من خلال الشاشات داخل الجامعة. وفي عام 1438هـ؛ تقدمت بمقترح تقديم (رسائل تثقيفية) للموظفين والموظفات، تشمل عدد من الموضوعات ذات العلاقة بالجوانب الوظيفية والتنظيمية والسلوكية وغيرها، بواقع (رسالة) كل أسبوع، بمجموع (50) رسالة، فبارك الفكرة ووافق على نشر تلك الرسائل. وأذكر عندما كنت سكرتيرًا للمجلس العلمي، اتصل بي رئيس المجلس العلمي، د. عبدالله العبدالجبار (سابقًا) صباح يوم الثلاثاء 15/8/1436هـ؛ وقال: بعد نصف ساعة سوف يتم عقد اجتماع لأعضاء المجلس العلمي في مكتبك، وفي الموعد المحدد حضر رئيس المجلس وأعضاء المجلس العلمي، وعمداء الكليات، وحضر د. عبدالله الموسى، وترأس الاجتماع، وكان في تلك الفترة (مريضًا) وقد حضر وهو يتوكأ على عصاء، ولحرصه على مصلحة العمل، حضر وهو مريض، وأكد للجميع بضرورة الحرص على انتقاء المتميزين من بين المتقدمين لشغل وظيفة عضو هيئة تدريس في الجامعة، وأكد على ضرورة استحضار مصلحة الجامعة وطلابها، بحسن اختيار أعضاء هيئة التدريس، لما لهم من أثر على مخرجات الجامعة، التي ستنعكس على مصلحة الوطن، وبعد الاجتماع (التفت) علي وقال: تحتاج مساعدة؟ تراني حاضر وجميع موظفي مكتبي تحت أمرك. وخلال عملي مساعدًا لأمين مجلس كلية العلوم والدراسات النظرية، لم أذكر يومًا أنه شرح على أي محضر من محاضر مجلس الكلية إلا بالموافقة، أو بما يحقق مصالح عليا للكلية والجامعة. وكان حريصًا على تهيئة الصف الثاني في الإدارة، من خلال التدريب وتدوير العمل، وذلك ليكون هذا الصف لتولي مسؤولية القيادة في أي لحظة، وهذا من منطلق حرصة – حفظه الله – على استمرارية العمل وعدم توقفه أو اعتماده على أشخاص معينين، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على بعد نظره وحكمته الإدارية وخبرته الطويلة والمتنوعة. وما ذكرته "أعلاه" إلا نماذج يسمح المقال بذكرها، لأعطي صورة واقعية عن توجيهاته التي يحرص فيها على كل ما فيه مصلحة منسوبي الجامعة، والجامعة برمتها، التي تصب في نهاية المطاف ضمن مصالح الوطن العليا، من خلال مخرجاتها، وانعكاسات تلك المصالح الإيجابية على مصالح الوطن. رغم مشاعر الحزن على ترجل أبا عبد العزيز، عن قيادة هذا الصرح العلمي العظيم، إلا أننا نتمنى له التوفيق والسداد، وكلنا ثقة بأنه سوف يستمر في عطاءه لأسرته ومجتمعه ووطنه، فمن شب على شيء شاب عليه، وهذه سنة الحياة محطات، والجامعة واحدة من المحطات التي تحمل المسؤولية فيها بكل صدق وأمانة وعمل دؤوب، ليترك أثرًا واضحًا، وبصمة ثمينة، وذكرى عبقها في عنان السماء. يُغادر أ. د. عبد الله الموسى، الجامعة وقد شكل فيها أسرة رأس مالها الإنسان، ورصيدها إنجاز حقيقي على أرض الواقع، يُغادر فريق عمل شديد الإخلاص، عالي المهنية، مسلح بروح الثقة والمسؤولية والتحدي والتنظيم والعمل والاعتزاز والانتماء والولاء للجامعة والإثار، يُغادر إخوة وأخوات، لا موظفين وموظفات، وزملاء وزميلات، فلم نعرف د. عبد الله، يومًا مديرًا للجامعة، بل أخًا وصديقًا ومحبًا للجميع. كل منا يكره مراسم الوداع، فكيف بوداع من نحب ويحبنا، ولن نقول وداعًا أبا عبد العزيز، لأن الوداع للغرباء، أما الأحبة فنقول لنا لقاء تلو لقاء هنا وهناك، فعلى دروب المحبة والإخاء والخير التقينا، وتصافحت الأيدي بالأمس تعارفًا، واليوم تتصافح محبة ووفاء، لا نودعكم بدموع العيون فأنت لنا عيون. دمتم د. عبد الله بن عبد العزيز الموسى، بحفظ الباري ورعايته، ودمتم كما عهدناكم محبين مخلصين لهذا الوطن الأبي الشامخ، في ظل قيادتنا الرشيدة –حفظهم الله ورعاهم ووفقهم لكل خير –. مقالات أخرى هدى القحطاني 02-07-1441 التنمر حالة من القهر البشرية د. عبدالله بن سليمان السيد 27-03-1441 ملامح الحوكمة في نظام الجامعات الجديد د. شاكر بن علي الذيابي 27-03-1441 ثورة الإعلام الرقمي أ.سليمان بن صالح المطرودي 03-03-1441 النظام الجديد ... والنظرة السلبية!!! أ.سليمان بن صالح المطرودي 25-02-1441 الدليل الإرشادي ... بوابة النجاح أ.سليمان بن صالح المطرودي 10-02-1441 الوجه الآخر...!! د. ناصر بن سيف 27-01-1441 في عيدنا الـ 89 د. حامد الشراري 27-01-1441 اليوم الوطني قصة ولاء ورسالة وفاء أ.سليمان بن صالح المطرودي 25-01-1441 اليوم الوطني ليس ذكرى عابرة بل يوم صعب