أ.سليمان بن صالح المطرودي
في لحظات ما قبل الوداع، يخيم الصمت على حياتنا، وننكفئ على أنفسنا ولن نجد في هذا العالم الرحب لنا مكان يشاطرنا الهم والحزن في وداع من أحببنا وسكن قلوبنا حبه!!! هي لحظات صعبة نتجنبها ونهرب منها، فكيف لنا أن نعيشها رغم قساوتها وصعوبتها؛ لأنها لحظات تنزع من قلوبنا من سكن فيها وأحببناه، فمشاعر الوداع صعبة مرة على كل إنسان. كثير من العشاق والمحبين غردوا وكتبوا، في وصف كل شي إلا الوداع؛ صعب عليهم وصفه، فكيف لهم يصفون لحظات وداع الحبيب الذي طالما اشتاق القلب والنفس إلى لقياه؟!؟ ولكن هي سنة الحياة التي لا مفر منها، فمضت الأيام وانقضى الشهر المبارك، فوجب علينا أن نسلم بوداع من أحببناه وطالما انتظرناه واشتقنا إليه بكل رضى وقبول. وداعاً يا شهر رمضان ... نقولها بكل مرارة، وأنواره بدأت تنطفي شيئًا فشيئًا ولم يبقى إلا لحظات وسويعات، فيا من أفل نجمه بعد أن سطع وسعدنا به ليلاً ونهارا. فلا نجد بدًا إلا أن نقدم لكم التعازي في قرب فراقه ورحيله، إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا شهر رمضان لمحزونون. وأرجو أن لا تأخذوا بخواطركم علينا لأننا نعزيكم في وقت تنتظرون فيه التهاني بمقدم العيد السعيد. وعزاءنا في شهر الخيرات أن عمل المؤمن لا ينقضي ولا يتوقف عند مواسم معينه، بل هو ممتد ومتواصل، فالرب – سبحانه وتعالى – جعل لنا مواسم الخيرات في كل وقت وحين على مدار العام، ويضاعفها لعباده المتقين متى حافظوا عليها وبادروا إليها بقلوب مؤمنة صادقة. نعم ها نحن نودع شهر رمضان شهر الصيام والقيام؛ ولكن الصيام لا يتوقف عند هذا الشهر، فقد شرع لنا ربنا صيام أيام أخر طوال العام، وكذا القيام فهو كل ليلة من ليالي العام، وكذا الصدقات وأعمال البر والخير والإحسان والمحافظة على الصلوات في باقي الشهور والأيام. لحظات الوداع صعبة ولا تنسى، ولوعتها بقلب المؤمن حارقة لا تبلى، ودموع الفراق تجرح والوجنات بصادق العبرات على أيام شهر رمضان التي انقضت، ولياليه التي تولت أسرع من لمح البصر، انقضى على ما احتوته الصحاف من الأعمال الصالحات التي نسأل الله أن يتقبلها قبولاً حسنًا. وعلامات قبول تلك الأعمال هو ما نكون عليه بعد شهر الصيام والقيام من استمرار على الأعمال الصالحات والطاعات والمباحات، والبعد عن المحرمات والفحش وقول الزور والثبات على التوبة والاستقامة على الحق وعدم الزيغ والفساد والتياهان. إن من نودعه بحرقة ومرارة هو شهر الخير والإحسان، شهر الذكر والقرآن، شهر العبادة والإيمان، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران. فحري بنا ونحن نودعه أن نعاهد الله ثم أنفسنا أن لا نرتد على أدبارنا فننقلب خاسرين، وأن نوفي بالعهد بالثبات على الحق وعدم العودة للمنكرات والمخالفات، وأن نداوم على ما كنا عليه من أعمال خلال هذا الشهر المبارك، وأن نواصل مشاعر التلاحم فيما بيننا وبين إخواننا المسلمين عامة والفقراء والمساكين والمحتاجين خاصة، وأن نواصل فعل الخيرات والحسنات وكل الطاعات، وأن نجدد شهر رمضان في كل أيام حياتنا. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يعيد شهر الصيام والقيام علينا وعلى سائر المسلمين أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة وقد تحقق للأمة الإسلامية ما تصبوا إليه من عز وتمكين، وسؤدد في العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكل عام وأنتم بخير ؛؛؛ شذرات بقلم أبي عبدالعزيز سليمان بن صالح المطرودي مدير مكتب وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي