أ.سليمان بن صالح المطرودي
الإدارة هي إرادة وإدراك، وبعد نظر وتميز وإبداع، وإنجاز وأداء واجب، وتحمل مسؤولية، وحسن تعامل وسلوك وآداب وأخلاق، وفن إدارة. وعندما يفتقد المدير للكثير من تلك المعاني الإدارية السامية؛ فإنه يتوشح عباءة الحضور والانصراف والتواجد على رأس العمل، بتكثيف الجولات الرقابية، والتنويع في إرسال العيون الساهرة التي تراقب وتنقل له الصورة من هنا وهناك؛ وقد يصل به هذا الداء إلى التسلط على الإدارات الأخرى التي لا تتبع له ولا تخصه؛ بل قد تكون أعلى منهم في الهرم الإداري، ومن يتولاها أعلى منه مرتبة وقدرة إدارية، ليخفي ضعفه وفشله في الإدارة تحت هذا الستار، الذي يجعل بينه وبين الموظفين الذين لم يستطع التعامل معهم واحتوائهم تحت إدارته؛ خاصة إذا كانوا يتفوقون عليه في علوم الإدارة والخبرة الإدارية، والعلاقات المتميزة مع الآخرين. وحتى لا ينكشف مديرو الدوام أمام المسؤول؛ فإنهم يعمدون إلى سل سيف المتابعة الدقيقة واللصيقة لكل موظف، وإشهار القلم الأحمر في الشطب وإقفال بيانات الحضور، أو تعقيد نظام \"البصمة\" دون مراعاة وتقدير لأي ظروف للموظف، ودون النظر إلى حجم الانتاج والإنجاز وسير العمل الذي يقوم به وتحت مسؤوليته، حتى أنك إذا دخلت مكتب هذا المدير؛ وجدت عدد من الملفات الملونة، التي تحمل مسميات الحضور والانصراف لكل إدارة وشعبة؛ وكأن مكتبه معرض لرسم الفن التشكيلي. الإدارة ليست حضور وانصراف، وقلم أحمر يقفل به البيان، ولا خشوع أمام الشاشة لمتابعة من وقع ومن لم يوقع؛ ولا شطارة في رفع أيام وساعات التأخر للموظفين لتطبيق الحسم عليهم. الإدارة ليست العودة للعصور الحجرية والتسلط بأنواع النماذج والقرارات والمتابعات التي أصبحت من التاريخ؛ وأنسب مقر لها مهرجان الجنادرية، ومتحف هنوفر، خاصة في ظل التوجه للحكومة الإلكترونية. الإدارة ليست تسلط ولا تصفية حسابات ولا تصيد أخطاء. الإدارة ليست تكثيف جولات العيون الساهرة ومتابعة الموظفين حتى داخل دورات المياه. الإدارة فن لا يدركه إلا المدراء الحقيقيون الواثقون من أنفسهم وقدراتهم الإدارية. مديرو الدوام؛ يتفننون في هذا الميدان، لسابق خبرتهم بعدم الحفاظ على أوقات الدوام، وتعودهم على الخروج دون استئذان، وكثرة غيابهم، وعدم إنجازهم، وتفريطهم في واجباتهم الوظيفية، فبعد أن صاروا مدراء عمدوا للعنجهية الإدارية لإخفاء ماضيهم المظلم في حياتهم الوظيفية!!!