الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، ثم أما بعد:
فإن مسيرة الخير ماضية إلى قيام الساعة، تضعف في أفق، ولكنها تقوى في آفاق أخرى، قد تغفو حينًا ولكنها لا تنام البتة، تمرض ولكنها لا تموت مطلقًا، يصيب حامليها نوع من الخمول والكسل، ولكن لا يصيبهم العجز واليأس، إذا قبض الله رجالاً لها بالأمس، قيض لها رجالاً اليوم، أينما اتجهت وجدت لها قلاعًا وحصونًا، معالمًا وآثارًا، فالحمد لله أولاً وأخيرًا.
ومسيرة بلادنا المملكة العربية السعودية وشعبها الأبي؛ في مضمار النزاهة والنقاء؛ براقة على مر السنين، فمن أولويات مسيرتهم في الحياة على ثرى تلك البلاد المباركة، منذ تأسيسها على يد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود – طيب الله ثراه – ولا زالت قائمة على هذا النهج، حرصًا منها على حماية الحق وصيانته والذود عنه، وقمع الفساد والإفساد بكل صوره وأشكاله وألوانه ومعانيه، عبر كل الوسائل والسبل الممكنة والسليمة والصحيحة.
والفساد في صوره الكثيرة والمتعددة للأسف، مرض متفشي في المجتمعات الإنسانية المعاصرة، المتحضرة منها والبدائية.
فالفساد ظاهرة عالمية، لا يكاد يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات، إذ أنك تجد ظاهرة انتشار الرشوة، والمحسوبية، واستغلال النفوذ، والوساطة، والتستر على مثل تلك الأعمال، والتعتيم والمهادنة، وغيرها من الصور التي تعتبر من صور الفساد، التي تساهم في عملية التفشي وعدم التشخيص، والتحجيم المبكر له قبل تفشيه وانتشاره.
تلك الظاهرة التي يجب محاربتها واقتلاعها من جذورها، لما يترتب عليها من آثار مدمرة، إذ أنها تقف عثرة في أعمال التطوير والتنمية للفرد وللمجتمع على حد سواء.
فمتى تُرك الفساد؛ أخذ بالانتشار، وأصبح جزء من نسيج الحياة اليومية في المجتمع؛ فتموت غيرة ثقافة القضاء عليه، فيستشري أمره حتى يهلك الناس جميعًا بسببه، فتضيع الحقوق، وتتعطل المصالح، ويضعف الأمن وتنعدم الأخلاق وتتفشى الجريمة، والفساد يصبح عادة لا تُجرَّم.
فالإنسان السوي يرفض ذلك فضلاً عن المجتمعات والشعوب فهي من باب أولى في رفض هذا الوباء، والرفض هنا رفض فطري، جُبل عليه الخلق، رغبة في الحق والاستقامة، والعيش بأمن وأمان، بعيدًا عن منغصات الحياة؛ إذ أن الفساد أكبر جالب لهذه المنغصات.
لذا فإننا نجد أن الحكومات والمنظمات الدولية، تعمل على سن الأنظمة والقوانين والتشريعات، التي تحارب الفساد، بكل صوره وأنواعه ومظاهره، وتعمل دول العالم على تحصين شعوبها وتوعيتهم من هذا الوباء الفتاك.
ومن بين تلك الدول بل من أوائلها المملكة العربية السعودية؛ حيث أن دستور المملكة وأنظمتها، مستمدة من الوحيين العظيمين؛ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والشريعة الإسلامية السمحة، تحارب الفساد وتحذر منه، وتحث على اجتثاثه أنَّى وجد، وقد توج ذلك بصدور قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (43) وتاريخ 1/2/1428هـ؛ بالموافقة على (الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد) هذا القرار الذي هدف إلى تحقيق حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره، وتحصين المجتمع السعودي من الفساد، من خلال عدد من الوسائل والأساليب التي تكفل ذلك، وفي مقدمتها إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد؛ تعنى بمتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية، ورصد نتائجها، وتقويمها، ومراقبتها، ووضع برامج وآليات تطبيقها، وكذلك التأكيد على الأجهزة الحكومية المعنية بحماية النزاهة ومكافحة الفساد، بممارسة اختصاصاتها وتطبيق الأنظمة المتعلقة بذلك، وتقليص الإجراءات وتسهيلها، والعمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول، مهما كان موقعه وفقاً للأنظمة.
وقد توج ذلك بصدور الأمر الملكي الكريم، رقم (أ/65) وتاريخ 13/4/1432هـ؛ القاضي بإنشاء "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد".
علمًا بأن المملكة العربية السعودية من أوائل الدول الموقعة والمصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي أقرتها الجمعية العامة في الأمم المتحدة في دورتها الثامنة والخمسين في تاريخ 31/10/2003م؛ والتي أصبحت نافذة المفعول في 14/12/2005م؛ حيث كان توقيع المملكة على هذه الاتفاقية في 9/1/2004م.
وهذا من منطلق قناعة وحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين – أيده الله بنصره وتوفيقه – وسمو ولي عهده الأمين – حفظه الله وسدده لكل خير – بضرورة القضاء على هذه الظاهرة، ووأدها قبل مولدها، للحفاظ على المجتمع السعودي، والحفاظ على المقدرات الوطنية، من عبث العابثين، بغض النظر عمن يكون شخصه، وفي أي موقع كان منصبه وعمله، وذلك وفقًا للأنظمة التي شرعت لهذا الأمر، وهذا يؤكد جدية الدولة – رعاها الله – في مكافحة الفساد الذي سيؤدي – بإذن الله – إلى حماية النزاهة.
ومما يؤكد أن رغبة المملكة في إصلاح النفوس وتهذيبها، ومساعدتها على النفور من مواطن الزلل ومستنقعات الفساد، وليس هدفها العقوبات والتشهير بمن وقع ضحية ذلك، فقد انفردت – حرسها الله – عالميًا، بإنشاء صندوق – إبراء الذمة – لكي يتمكن من يرغب في إبراء ذمته، من إيداع المبالغ التي تسلَّمها بغير وجه حق، عندما كان ضميره غائبًا ومنغمسًا وتائهًا في دهاليز الفساد، وهذا يدل دلالة أكيده على حرص الدولة على إصلاح المجتمع، وتنقيته من كل الشوائب التي قد تلوثه.
حفظ الله بلادنا المملكة العربية السعودية من كيد الكائدين في ظل قيادتنا الرشيدة، لتواصل حلقات سلسلة الإصلاح والخير المضيئة في بلادنا الغالية.